كليات التربية في عالمنا العربي ورؤى التطوير المنشود
في تحليلي لرؤية مصر 2030، ورؤى كثير من الدول العربية فيما يخص التعليم قبل الجامعي، لفت نظري ثلاث مصطلحات مهمة؛ الجودة والإتاحة والتدريب، وهنا كان التساؤل الملح:
هل يمكن أن يكون التعليم العربي قبل الجامعي مطابقًا لمواصفات الجودة العالمية، متاحًا للجميع متمتعًا بمعيارية التدريب العالمي للمعلمين؟!
واقع التعليم في البلاد العربية وتطلعات الجودة
وقفت كثيرًا حائرًا أمام هذا التساؤل، وتأملت الواقع الذي نحن فيه من دعوات متتالية إلى تطوير التعليم العربي، وشروع فعلي في التطوير، وتوجه تكنولوجي جديد بدأ يطل برأسه على واقع التعليم في العالم العربي، وبداية لهذا التطوير في رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي والصف الأول الثانوي.
هالني هذا التوجه الرهيب نحو حشد آلاف المعلمين للتدريب على المنظومة التعليمية الجديدة.
بل وسألت بعضهم: “ما رأيكم في التدريب الجديد على المناهج العربية الجديدة المطورة والتوجه التكنولوجي المزمع؟!”.
فكانت الإجابات ظاهرها حلو خادع، وباطنها مر كارثي، وسألني أحد المعلمين: “أين كليات التربية في عالمنا العربي من هذا الأمر؟ أليست هي الأولى بقيادة هذا التطوير؟! أليس المعلم الذي هو لب التطوير مسؤوليتكم أنتم؟!”.
قلت له: “أحرجتني بسؤالك بل بتساؤلاتك”، نعم أين نحن؟!
دور كليات التربية في خدمة المجتمع
سؤال لا نعلم له إجابة حتى الآن، وربما لن نعلم قريبًا، كان المفروض أن تكون كليات التربية في بلادنا العربية هي المسؤولة عن قيادة هذا التطوير.
كان المفروض أن تكون كليات التربية هي المسؤولة عن وضع خطط تطوير التعليم في بلادنا العربية، كان المفروض أن تكون كليات التربية هي المسؤولة عن منظومة تطوير وتأهيل وتدريب المعلمين.
كان المفروض أن تكون كليات التربية في كل بلداننا العربية هي المنوط بها تحمل تبعات التطوير وفق رؤى محلية وعالمية وإقليمية، بما تملكه تلك الكليات من آليات وإمكانيات تمكنها من القيام بهذه الأدوار.
لكن للأسف جاءت استراتيجيات تطوير التعليم العربي بعيدة كل البعد عن كليات التربية، وكأن هذه الكليات لا يعترف بوجودها أصلًا!
من المسؤول عن تهميش كليات التربية؟
هنا قلت: من المسؤول عن هذا التهميش؟! وبعيدًا عن الإحساس بالتهميش المتعمد من قبل الآخرين، وجدت أن كليات التربية في كل بلادنا العربية شريكة في هذا التهميش المؤلم.
نعم شريكة بالبعد عن الميدان، بالإغراق في التنظير، بمنح درجات الماجستير والدكتوراة في كل تخصصات التربية دون ضوابط، في فتح الباب على مصراعيه لقبول آلاف الطلاب كل عام دون الحاجة الفعلية إليهم، ودون اختبارات تحدد قدراتهم واستعداداتهم لممارسة المهنة.
نعم مسؤولة عندما غدت الكليات مفرخة تضخ لسوق العمل كل عام عشرات الآلاف من الطلاب الذين لا يحتاجهم سوق العمل للأسف.
لهذا لا يجب أن نبكي دائمًا على اللبن المسكوب ونحن شركاء في رسم هذا الوضع المؤسف لنا في كل بلادنا العربية على السواء، مما أجبر كثيرًا من بلادنا العربية على إغلاق كليات التربية لعدم الحاجة إليها!
اقرأ أيضاً: رؤى إبداعية في فلسفة التعليم
تعرف على: دور المعلم والأخطاء التي تواجه المجتمع
اقرأ أيضاً: الثانوية العامة والأزهرية وضرورة احتواء الأبناء
تفعيل دور كليات التربية
هنا أقول: ما الحل لعودة الحياة إلى كليات التربية من جديد؟!
تأتي الإجابة والتي أكررها مرارًا وأثق في الله، ثم في محبي الخير لهذا الوطن العربي الكبير، ربما يقرأ كلماتي، وهي:
بعيدًا عن إرهاق القارئ بنظم الإعداد التتابعي والتكاملي في كليات التربية، أرى لهذه الكليات في المستقبل مسارات ثلاثة لتكون شريكة فاعلة في رؤى تطوير التعليم في بلداننا العربية، وهذه المسارات هي:
أولًا: تحويل كليات التربية إلى كليات الدراسات العليا للتربية
إلغاء التحاق طلاب الثانوية العامة بكليات التربية وتحويلها إلى كليات للدراسات العليا التربوية، تقبل طلاب الكليات الأخرى الراغبين في ممارسة مهنة التعليم وفق نظام الدبلوم العام، وهذا هو المسار المعمول به حاليا لغير خريجي كليات التربية في كثير من كليات التربية في الجامعات العربية.
ثانيًا: تشجيع الدراسات العليا للتربية
تشجيع الدراسات العليا التربوية على مستوى الدبلومات المهنية والخاصة والماجستير والدكتوراة، واستحداث حزم حوافز لتشجيع المعلمين على استكمال دراساتهم العليا التربوية بكليات التربية لمواكبة أحدث التوجهات العصرية على كافة الأصعدة.
ثالثًا: الحد من الكيانات التعليمية الخاصة
إلغاء الكيانات التعليمية الوهمية الخاصة توفيرًا للنفقات، وصيانة للمال العام والخاص المهدر، مثل أجور وحوافز من يعملون بها، وعودتهم إلى أعمالهم الأصلية بمدارسهم.
إضافة إلى نقل كل اختصاصات تلك الكيانات إلى كليات التربية وفق توجهات عصرية، على ألا تتحمل الدول العربية أعباء إضافية نظير إلحاق المعلمين بكليات التربية للتدريب والتأهيل العصري.
أيضًا منح رخص مزاولة المهنة على أسس علمية وفق أحدث النظم التربوية العالمية، بعيدًا عن دورات اليوم واليومين والثلاثة أيام، تلك التي تمنح بسهولة للجميع دون منهجية تطويرية واضحة المعالم.
ضرورة استغلال الفرص
ليتنا نؤمن فعلًا بالتطوير المنشود في كل بلادنا العربية بعيدًا عن هذا الهراء الذي لا طائل من ورائه.
تلك رؤيتي وتلك قناعاتي، وربما لا تروق لكثيرين ولكن يبقى الأمل، ولنا في بلادنا العربية مستقبل وحياة.
علينا استغلال الفرصة لنعيد للتعليم العربي رونقه وبريقه المفقود، ونعيد لكليات التربية في جامعاتنا العربية قداستها التي لا يجب أن تفارقها يومًا ما.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
**********
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا