أسرة وطفل - مقالاتمقالات

قضية المرأة بين الحقيقة والوهم .. الجزء الأول

تثير قضية المرأة في الوقت الراهن كثيرًا من النقاش، وهو في الحقيقة ليس بجديد سواء على المستوى الحقوقي أو الاجتماعي وحتى البيولوجي، فلم تعد الثوابت المتعارف عليها بين الرجل والمرأة محل اتفاق، بل تعدى الأمر إلى رفض الاختلاف بين الرجل والمرأة أو أدوار الرجل والمرأة سواء في المجتمع أو داخل الأسرة.

هناك من الدعوات الكثيرة التي دعت صراحة إلى تجاوز الاختلافات بين الرجل والمرأة في كافة المستويات، من أجل حقوق متساوية دون النظر لاختلاف الجنس والدور بين الرجل والمرأة.

الأمم المتحدة والمرأة

صرح الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، أن تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات هو عمل غير مكتمل في عصرنا، وأكبر تحدٍ لحقوق الإنسان في عالمنا.

بدأ دعم الأمم المتحدة لحقوق المرأة مع الإطار الدولي المعلن في ميثاق الأمم المتحدة. ومن بين مقاصد الأمم المتحدة المعلنة في المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة “لتحقيق التعاون الدولي… على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا والتشجيع على ذلك إطلاقًا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء”.

في العام الأول للأمم المتحدة، أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجنة وضع المرأة، بصفتها الهيئة العالمية الرئيسة لصنع السياسات المتعلقة حصرًا بتحقيق المساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حقوق المرأة حق من حقوق الإنسان

أصبحت المساواة بين الجنسين جزءًا من القانون الدولي لحقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.

أقرت تلك الوثيقة البارزة في تاريخ حقوق الإنسان بأن “جميع البشر يولدون أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق”، وأن “لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، دون تمييز من أي نوع، مثل العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر”.

عندما بدأت الحركة النسائية الدولية تكتسب زخمًا خلال السبعينيات، أعلنت الجمعية العامة سنة 1975 بوصفها السنة الدولية للمرأة، ونظمت المؤتمر العالمي الأول المعني بالمرأة، الذي عقد في المكسيك.

في وقت لاحق، وبدعوة من المؤتمر، أعلنت السنوات 1976 – 1985 بوصفها عقد الأمم المتحدة للمرأة، وأنشأت صندوق التبرعات للعقد.

القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

قضايا المرأة في الغرب

في عام 1979، اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي غالبًا ما توصف بأنها الشرعية الدولية لحقوق المرأة.

تحدد الاتفاقية –في موادها الثلاثين– صراحة التمييز ضد المرأة وتضع برنامجًا للعمل الوطني لإنهاء هذا التمييز. وتستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد بوصفها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية، وهي أول معاهدة لحقوق الانسان التي تؤكد على الحقوق الإنجابية للمرأة.

بعد خمس سنوات من مؤتمر المكسيك، تم عقد المؤتمر العالمي الثاني المعني بالمرأة في كوبنهاغن في عام 1980.

ودعا برنامج العمل الذي خرج به المؤتمر إلى اتخاذ تدابير وطنية أقوى لضمان ملكية المرأة على ممتلكاتها وسيطرتها عليها، إضافة إلى إدخال تحسينات في مجال حقوق المرأة فيما يتعلق بالميراث وحضانة الأطفال وفقدان الجنسية.

الحضارة الغربية كيف اهدرت كرامة المرأة؟

شغلت قضية المرأة بعد ما نالها من نقاشات حول حقوقها وأدوارها كثيرًا من المفكرين باختلاف ثقافاتهم في كل بلدان العالم، ولم تخل مؤلفات أغلب مفكري العالم من كتاب أو مقال حول تلك القضية.

الملاحظ حول الكثير من تلك المؤلفات والمقالات أن عديدًا ممن كتب لا يعرف قيمة المرأة الحقيقية، إذ يظهر في أغلب الكتابات التأثير الواضح للغزو الثقافي والفكري الذي أحدثته الحضارة الغربية بفكرها المادي النفعي.

باتت هذه القضية كسواها من القضايا حصان طروادة، يدخل من خلاله النفعيون الغربيون الماديون في قلب المجتمعات كألعوبة يتاجرون بها كما فعلوا في كافة القيم الإنسانية،

ضاربين عرض الحائط بكل الخصوصيات الحضارية لبلدان وثقافات العالم أجمع، فهم لا يعترفون لا بالكرامة الإنسانية ولا بقيم الأسرة ولا بأي قيمة أخرى، ما يهمهم فقط المكسب المادي من وراء أي قضية.

اقرأ أيضاً: المرأة بين الأسرة والفكر الغربي

تعرف على: أسباب المشاكل الزوجية وكيفية حلها

اقرأ أيضاً: طريقة تدمير الأسرة في خطوات معدودة

استعادة الهوية المسلوبة

لكي نستطيع تمييز هذا الخداع يجب توجيه الدعوة لكل النساء للتأمل والتدقيق جيدًا في المفاهيم التي يطلقها دعاة التحرر والمساوة بين الجنسين، كذلك التدقيق في الأدلة الموضوعية حول تلك المفاهيم.

نجد أن قضايا المرأة منذ العصور القديمة –ولا زالت– محور تتنازع حوله الآراء، وتتجاذبه الأهواء في المنظومات الثقافية والاجتماعية، فكانت شيطانًا في الحضارة اليونانية، ونظر إليها الرومان كمخلوق مسلوب الإرادة فأخضعوها للسلطة المطلقة للأب أو الزوج أو الأخ مدى حياتها.

أخذت المرأة حظّها من النظرة الدونية عند العرب في الجاهلية، فتُصرِّفَ فيها بيعًا وهِبة، واستأثروا بها عن نفسها، فإن شاءوا منحوها حق الحياة.

معاناة المرأة في ظل الحضارة الغربية

تتعرض المرأة الغربية لكثير من المعاناة والويلات التي جلبتها لها الحضارة الغربية المعاصرة، رغم الشعارات التي ترفعها هذه الحضارة في الدفاع عن حقوق المرأة وتوفير الامتيازات الخاصة بالمرأة، التي لم تحصل عليها في تاريخ العالم الغربي.

لقد تعرضت المرأة لاستغلال سيئ في مجال الدعاية والإعلان، وتحولت إلى وسيلة إغراء لتسويق السلع والمنتجات المختلفة، التي لا تعنى أغلبها بشؤون المرأة.

إن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل الذي تدعو إليه الحضارة الغربية فرض على المرأة أن تعمل في مختلف المجالات رغمًا عنها، فهي تعمل في المناجم، وصناعة المواد الثقيلة، وتنظيف الشوارع، وقيادة الشاحنات، وحمل السلاح، وحراسة الأمن، وغيرها من الأعمال التي لا تليق إلا بالرجال، وهذا ما ألحق ضررًا كبيرًا بنفسية المرأة وأنوثتها وعفافها وصحتها الجسدية.

لقد تم استغلال جسد المرأة الغربية بشكل بشع حتى وُجدت ظاهرة تسمى بتجارة الرقيق الأبيض، التي حققت أرباحًا بالملايين لأصحابها من الرأسماليين، وهناك كثير من عصابات تهريب النساء في شتى أنحاء القارة الأوروبية، تعمل تحت سلطة المتنفذين في الحكومات والأنظمة الغربية، وتقوم باستدراج الفتيات من دول أوروبا الشرقية وإجبارهن على ممارسة الدعارة أو المشاركة في الأفلام الإباحية في الدول الغربية.

المرأة والعائلة

قضايا المرأة في الغربلقد تسببت الحضارة الغربية في وجود ظاهرة المرأة التي تبحث عن زوج بعد انعدام رغبة الرجال في الزواج وتشكيل أسرة خاصة بهم، إذ تبذل المرأة كل جهدها من أجل إرضاء صديقها وخليلها حتى يقبلها زوجة له، وأحيانًا تشعر بالخوف من مفاتحته بالزواج رغم رغبتها الكبيرة في ذلك خشية أن يتركها ويرحل إلى الأبد.

بهذا الشكل أصبحت المرأة أكبر المتضررين في ظل الحضارة الغربية رغم الشعارات البراقة التي ترفعها هذه الحضارة في الدفاع عن المرأة وعن حقوقها الطبيعية.

دور المرأة في الأسرة

حقيقة الأمر أن قيمة المرأة الحقيقة يكون بالمحافظة عليها ورعايتها داخل كيان الأسرة، مع المحافظة على خصوصيتها النسوية، دون إخضاعها كي تفكر وتعمل كالرجل، والاحتفاظ بحقها في العلم والعمل والمشاركة السياسية أو الاجتماعية.

دور المرة داخل الأسرة لا يمكن للرجل أن يؤديه، لما لهذا الدور من خصوصية هو في الأساس نابع من خصوصية المرأة كأم ومربية وزوجة.

هل يمكن للأسرة أن تكون سوية من دون دور المرأة فيها زوجة وأمًّا؟

هل يحق لها التخلي عن هذا الدور؟

نستكمل في المقال القادم.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا