مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل والعِلّية .. الجزء الأول

العلة والمعلول

سنتحدث –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في هذه الدردشة، والدردشات التي بعدها، عن موضوع بالغ الأهمية هو “العقل والعلية”.

لكل معلول علة

وسوف تكون دردشتنا حول هذا الموضع من زاوية فلسفية عقلية، حيث إن مبدأ العلّية القائل: “إن لكل معلول علة، أو أن لكل مسبب سببًا”، مثل أن النار علة أو سبب الإحراق، هو من المبادئ العقلية الضرورية، ومن البديهيات الأولية المستغنية عن الدليل والبرهان.

وترجع أهميةُ العلية إلى أنها من بين القضايا الفلسفية التي استحوذت على اهتمام الفكر البشري ودفعته نحو التفكير لكشف لغز الوجود. إن الإنسان يقرر بشكل قاطع أن الفعل لا يقع إطلاقًا بدون فاعل/علة، وأن كل معلول يتطلب علة.

وإذا لم يستطع الإنسان تحديد علة شيء ما فإنه يفترض أن له علةً مجهولةً. فكل شيء وُجد بعد أن لم يكن موجودًا لا بد أن تكون له علة.

إن إيمان المؤمن وإلحاد الملحد إنما يتوقف على فهمه، وعلى موقفه الفلسفي والعلمي، الذي يأخذه حيال هذه المسألة؛ مسألة العلية أو السببية، ذلك لأن إيمان من يؤمن أو كفر من يكفر إنما يؤسسه –بالدرجة الأولى– الموقفُ الفلسفي والفكري والعلمي من هذه المسألة الخطيرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النظام الكوني وقانون العلية

قانون العلية

إن العلاقة التي تحكم نظامَ الوجود، هي علاقة العلة والمعلول، الأسباب والمسببات في الكون وبطلان القول بالصدفة. وعالم الإمكان –أي عالمنا– كله خاضع تحت قانون العلية.

إذا ألقينا نظرة على أرجاء الكون من حولنا، هل سنرى غير الكائنات التي توجد وتحدث بصورة مستمرة وبلا توقف؟ إذا أمطرت السماء نقول إن السحب هي السبب/العلة.

والعلاقة بين سقوط الأمطار والغيوم نسميها علاقة السببية/العلية. والكون كله محكوم بهذه العلاقة. فالعقل لا يتصور وجود شيء بدون سبب. ولا يمكن لموجودٍ أن يوجدَ دون مُوجِدٍ أوجده.

أهمية مبدأ العلية

ولولا مبدأ العلية وقوانينها، لما أمكن إثبات الواقع الموضوعي الخارجي، ولا أي نظرية من نظريات العلم وقوانينه، ولما صح الاستدلال بأي دليل كان في مختلف مجالات المعرفة البشرية.

وإذا سقطت العلية ونظامها الخاص من حساب الكون، يصبح من المتعذر تمامًا إثبات الواقع، أو تكوين نظرية علمية في أي مجال من المجالات، أو الاستدلال على أي أمر من الأمور.

إذن النظام الكوني كله مبنيٌ على العلية وأن القانون الحاكم في الوجود هو قانون العلية. فما العلة وما المعلول؟ وما العلاقة بينهما تلك التي نسميها العلية أو السببية؟

علاقة العلية: العلة والمعلول

قانون العلية

العلة:

يُطلق مصطلحُ العلة على الموجود الذي يترتب عليه تحققُ موجودٍ آخر. فإذا لامست النارُ ورقًا جافًا فمصيره الحتمي الاحتراق، فالنار سبب/ علة الاحتراق.

المعلول:

هو الموجود الذي لا يوجد بذاته، أو هو الموجود الذي يرتبط بعلته لكي يوجد، وفقًا لطبيعته، فالاحتراق مسبب/ معلول للنار.

طبيعة العلة والمعلول:

إذا بحثنا في طبيعة المُوجِد (العلة) ووجدنا أن طبيعة المُوجِد هي المسؤولة عن وجود المعلول، فالمُوجِد يكون علةً تامةً لوجود معلوله.

وطبيعة المعلول تقتضي أن يكون لاحقًا في الوجود لعلته. إذن المعلول هو الموجود الذي لا يوجد بنفس ذاته، أي أن المعلولَ كائنٌ يفتقرُ إلى الوجود بذاته. ولا يوجد إلا إذا مدَّ موجدُه يدَ المعونةِ له فأوجده. فالمعلول بحاجة إلى منحه الوجود من خارج ذاته.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما معنى العلة التامة وهل هناك علة تامة وعلة ناقصه؟ وما فائدة وضرورة معرفتنا لذلك؟ وبعبارة أخرى: هل يوجد للعلة أقسامٌ مختلفةٌ تنقسم إليها؟

الإجابة نعم!

توجد أقسامٌ متعددةٌ للعلة، حيث تنقسم العلةُ إلى عدةِ أنواعٍ يجب معرفتُها وعدمُ الخلطِ بينها.

وهذا هو موضوع دردشتنا القادمة، بإذن الله.

اقرأ أيضاً:

مفهوم المغالطات المنطقية، أنواعها، كيف تكشفها

البيضة ولا الفرخة؟! – أيهما أسبق في الوجود؟!

البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج