قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الثامن والخمسون

المدرسة المشَّائية: (56) إخوان الصفا وكتابهم "رسائل إخوان الصفا": ميتافيزيقا العلوم [12]: ميتافيزيقا الموسيقى: جواهر وتأثرات روحانية

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، (ج 57) عن إخوان الصفا: وكتابهم “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم [11]: ميتافيزيقا النجوم (أسطُرُنوميا): التأثيراتُ الخفيةُ للكواكب: السعادات والمناحس.

ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”.

1. الموسيقى: الصناعة المركبة من الجسمانية والروحانية

يقول إخوان الصفا: “نريد أن نذكر في هذه الرسالة الملقبة بالموسيقى الصناعة المركبة من الجسمانية والروحانية التي هي صناعة التأليف في معرفة النسب”.

وعلى ذلك يفصل إخوان الصفا القولَ في الجوانب الجسمانية من صناعة الموسيقى، وكذلك جوانبها الروحانية الميتافيزيقة. ففي الجانب الجسماني يتناولون قوانين الغناء والألحان وأصولها الثلاثة، وقوانين غناء العربية الثمانية، والآلات الموسيقية الأساسية وأفضلها وأحسنها آلة العود، ويشرحون أوتار العود الأربعة ومدى موافقتها للطبائع الأربع: النار والهواء والماء والتراب. وهدفهم من ذلك كله الوصول إلى الجانب الروحاني المتمثل في التأثرات الروحانية للموسيقى على النفوس البشرية.

2. الموسيقى: قوانين الغناء والألحان وأصولها الثلاثة: السَّبب والوتد والفاصلة

يشرح إخوان الصفا قوانين الغناء والألحان ويبينون أصولها الثلاثة، وذلك بقولهم: “وأما قوانين الغناء والألحان فهي ثلاثةُ أصولٍ وهي: السَّبب والوتد والفاصلة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السبب: فأما السبب فنقرةٌ متحركةٌ يتلوها سكون، مثل قولك: تُنْ تُنْ تُنْ تُنْ، ويكرر دائمًا.

الوتد: والوتدُ نقرتانِ متحركتانِ يتلوهما سكونٌ، مثلُ قولك: تُنُنْ تُنُنْ تِنُنْ تِنُنْ، يُكرر دائمًا.

الفاصلة: والفاصلةُ ثلاثُ نقراتٍ متحركةٍ يتلوها سكونٌ، مثلُ قولك: تَنْنُنْ تَنْنُنْ تَنْنُنْ تَنْنُنْ.

فهذه الثلاثةُ هي الأصلُ والقانونُ في جميع ما يركب منها من النغمات، وما يركب من النغمات في جميع اللغات من الألحان، وما يتركَّب منها من الغناء في جميع اللغات”.

3. الموسيقى: قوانين غناء العربية الثمانية

ثم يبين إخوان الصفا قوانين غناء العربية الثمانية، وذلك بقولهم: “فأما الثمانية التي هي قوانين غناء العربية: ١. فأولها الثقيل الأول، ثم ٢. خفيف الثقيل، ثم ٣. الثقيل الثاني، ثم ٤. خفيفه، ثم ٥. الرَّمَلُ، ثم ٦. خفيف الرَّمَل، ثم ٧. خفيف الخفيف، ثم ٨. الهَزَج. فهذه الثمانية هي كالاجناس، وسائرُها كالأنواع المتفرعة منها، المنسوبة إليها”.

4. الموسيقى: الآلات الموسيقية الأساسية والعود أحسنها

بعد ذلك يشرح إخوان الصفا الآلات الموسيقية الرئيسة ويخصون آلة العود باعتبارها أحسن الآلات الموسيقية فيقولون: “إن الحكماء قد صنعوا آلاتٍ وأدواتٍ كثيرة لنغمات الموسيقى وألحان الغناء، مقننة الأشكال، كثيرة الأنواع، مثل الطبول والدفوف والنايات، لكن أتم آلة استخرجتها الحكماء، وأحسن ما صنعوها الآلة المسماةُ بالعود. ونحتاج أن نذكرَ من كيفية صنعها وإصلاحها واستعمالها، وكمية نِسَبِ ما بين نغمات أوتارها وطولها وعرضها وغِلَظها ورقتها ونقراتها، طرفًا شبهَ المدخل والمقدمات ليكون تنبيها لنفوس الطالبين للعلوم الفلسفية، والناظرين في الآداب الرياضية، ونبين لهم دقائِقَ الحكمة وأسرار الصنائع التي هي كلُّها دلالةٌ على الصانع الحكيم الذي هو الباري، تباركَ وجلَّ ثناؤه، وهو الذي خلق الصناع وأهمهم الصنائع الأولَ والحِكمَ والعلومَ والمعارف، والله أحسنُ الخالقين وأحكمُ الحاكمين”.

5. أوتار العود الأربعة: الزّير والمَثْنى والمِثَلثُ والبَمُّ: النار والهواء والماء والأرض

وإذا كان العود أحس الآلات الموسيقية في نظر إخوان الصفا ويرجعون ذلك إلى كون أوتار العود الأربعة موافقة للطبائع الأربع، وفي ذلك يقولون: “إن الحكماءَ الموسيقاريّينَ إنما اقتصروا من أوتار العود على أربعة لا أقل ولا أكثر، لتكون مصنوعاتهم مماثِلةً للأمور الطبيعية التي دونَ فلك القمر، اقتداءً بحكمة الباري، جلَّ ثناؤه، كما بينا في رسالة الأرثماطيقي (العدد)، فوتر الزّير مماثلٌ لرُكنِ النار، ونغمته مناسبة لحرارتها وحدتها، والمَثْنى مماثلٌ لرُكن الهواء، ونغمته مناسبةٌ لرطوبة الهواء ولينه، والمِثَلثُ مماثلٌ لركن الماء، ونغمته مناسبة لرُطوبة الماء وبرودته، والبَمُّ مماثلٌ لرُكن الأرض، ونغمته مماثلةٌ لثِقل الأرض وغِلَظها. وهذه الأوصاف لها بحسَبِ مُناسبة بعضها إلى بعض، وبحسب تأثيرات نغماتها في أمزجة المستمعين لها”.

6. مادة الموسيقى: جواهر وتأثرات روحانية

ويقرر إخوان الصفا: “إن كل صناعة تُعمَل باليدين، فإن الهيولى (المادة) الموضوعة فيها إنما هي أجسامٌ طبيعية، ومصنوعاتها كلها أشكالٌ جسمانية، إلا الصناعة الموسيقية فإن الهيولى الموضوعة فيها، كلها جواهرُ روحانية، وهي نفوس المستمعين، وتأثراتها فيها مظاهر كلها روحانية”. فالموسيقى إذًا هي صناعة روحانية غرضها تحقيق السرور لعالم الأرواح والنفوس الإنسانية.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم: ميتافيزيقا الموسيقى: سرور عالم الأرواح.

مقالات ذات صلة:

الجزء الرابع والخمسون من المقال

الجزء الخامس والخمسون من المقال

الجزء السادس والخمسون من المقال

الجزء السابع والخمسون من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج