مقالات

العقل والأُضحية

فلسفة الأضحية عند أفلاطون!

من ناحية فلسفية بحتة أحدثك في هذه الدردشة –صديقي القارئ صديقتي القارئة– عن فلسفة الأضحية، ليس عند فيلسوف من فلاسفة المسلمين، بل عند الفيلسوف اليوناني الأشهر أفلاطون، ذلك الذي دعاه الفلاسفةُ العرب أنفسُهم بـ “أفلاطون الإلهي”!

أفلاطون والإلحاد

كان أفلاطون حربًا على الإلحاد والملحدين، (الذين يسميهم أفلاطون “رجال السوء هؤلاء”!)، هاجم بقوةِ عقلهِ الفلسفي الجبار الإلحادَ والملاحدةَ من فلاسفة عصره.

بعد أن صار الفكر الإلحادي ظاهرةً في عصره، قرر أفلاطون أن يواجه هذه الظاهرة الفكرية الاجتماعية (“النظرية المشؤومة” على حد تعبيره) بالحجة والبرهان.

ويمكن أن نقول إن أفلاطون نجح إلى حد كبير في مواجهة هذه الظاهرة، مستكملًا مسيرة أستاذه العظيم سقراط، الذي دلل على خلود النفس، ووجود العالم الآخر، وممهدًا الطريق أمام تلميذه أرسطو ليضع التأسيس الأخير للثيولوجيا (علم اللاهوت) الفلسفية اليونانية.

أنماطُ الإلحادِ الثلاثة

فلسفة الأضحية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لعلَّ الفيلسوف اليوناني الأشهر أفلاطون كان أول فيلسوف يضع تعريفًا للإلحاد، وذلك في الكتاب العاشر من مؤلفه “القوانين”. وقد حدد أفلاطون ثلاثة أسباب للإلحاد.

النمط الأول: إن لم تؤمن بوجود الإله فأنت ملحد.

النمط الثاني: إن أنت آمنت بوجود الإله، ومع ذلك لم تعترف بعنايته للبشر فأنت ملحد.

النمط الثالث: إن أنت آمنت بوجود الإله وبالعناية الإلهية، ولكنك اعتقدت بأن الصلوات والأضاحي (ذبح الحيوانات) تجعل الإله يغير رأيه لصالحك فأنت ملحد، لأنك تقول إنه بإمكانك رِشوة الإله!

ويعد النوع الأول من الإلحاد من بين الثلاثة –في نظر أفلاطون– أقلها خطرًا من الناحية الخُلقية، يليه النوع الثاني، بينما النوع الثالث هو أعظمها سوءًا بكثير، ومعنى كلام أفلاطون أن النوع الثالث من الإلحاد (ومنه تقديم الذبائح للإله) هو أسوأ أنواع الإلحاد لأنه ينطوي على القول بأن الإلهَ مرتشٍ! وهذا ما نفاه الإسلام عن الأضحية نفيًا تامًا، إذ للإسلام فلسفته في الأضاحي والتضحية.

فلسفة الأُضحية في الإسلام

والإسلام الذي تتفق عباداته مع العقل –ولا تتناقض– قد قرر للمسلمين –في القرآن العظيم– أن الأضاحي أو الذبائح التي  يقدمونها لنْ ينالَ اللهُ شيئًا لا من لحوم هذه الذبائح، ولا من دمائها، ولكنْ يناله التقوى.

قال عز من قائل: “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ” الحج – الآية (37). أي أنك لن تستطيع أن تقدم رِشوةً لله بمجرد أنك تضحي بخروف أو بغيره، ولكن الذي يصل إليه تعالى هو التقوى، فما معنى التقوى ها هنا؟

معنى التقوى في فلسفة الأضحية

فلسفة الأضحية

التقوى هي ثمرة الأضحية، ولها جانبان: أحدهما فعل إيجابي. والثاني: فعل سلبي.

الجانب الإيجابي لفعل التقوى في الأضحية:

معناه أن توصل الخير للآخرين، فتطعم في هذا اليوم العظيم –يوم عيد الأضحى– نفسَك وأهلك ومعارفك، وأن تطعم الفقراء والمساكين؛ تحقق صلة الرحم والتكافل الاجتماعي، فيصبح المجتمع مترابطًا وأكثر إنسانيةً. وهذا ينعكس بدوره على ذاتك، ويحقق درجةً أعلى من درجات رُقيك الإنساني.

الجانب السلبي لفعل التقوي في الأضحية:

معناه أن تكف أذاك، فلا تظن أنك تقدم رِشوةً لله تعالى بمجرد تقديمك للذبائح، بل يجب أن يكون الذبح:

أولًا- خالصًا لوجه الله تعالى وليس منظرةً أو رياءً، لأن الله لن يناله لحومُها أو دماؤُها.

ثانيًا- أن تحسن ذبح الحيوان طبقًا للقواعد التي أعلنها محمد صلى الله عليه وسلم، لأول مرة في العالم، أي تلك القواعد التي تضمنها “الإعلان العالمي المحمدي الأول لحقوق الحيوان في العالم”.

ثالثًا- أن لا تؤذي الناسَ بذبيحتك فتترك دماءَها تلوث الشوارع، وتؤذي الجيران والمارة (الذين لهم حق المرور الكريم في الشارع!) برائحة الدم أو بقايا الذبائح، لأن ذلك يتنافى مع مقصد التقوى المقصود من الذبح.

وإن أنت فعلت كل ذلك حققت التقوى المطلوبة، بل وكنت من المحسنين، بما للإحسان من رُقي رُوحي ونفسي واجتماعي. تقبل الله منكم، ومنحكم التقوى بجانبيها الإيجابي والسلبي!

اقرأ أيضاً:

الأضحية في تراث اليونانيين الأقدمين

الصائمون قسرًا!

هل يقبل كبار علماء الإلحاد ذلكم التحدي؟!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج