فكرة الانتقاء أصبحت ضرورية
تستهويني الكتب التي تتحدث عن سحر الترتيب والتخلص من الكراكيب لأنني على قناعة بأن الفوضى الخارجية تنعكس على نفسية الإنسان الداخلية وعقله، وكم أشعر بالارتياح العميق وأنا أعيد ترتيب المكتبة أو دولاب الملابس وأستبعد ما لم أعد في حاجة ضرورية إليه وأستبقي أقل القليل،
وأتفهم القول المأثور العظيم “ما قل وكفى خير مما كثر وألهى”، وهذه القاعدة تنطبق على كثير من الأشياء حتى على الأصدقاء، فليس مهما أن تكون متوسعا في علاقاتك الاجتماعية بقدر ما يكون لك صديق أو اثنان يتميزون بطيب الأصل والجدعنة..
وليس مهما أن تقرأ عشرة كتب في الشهر بقدر ما تقرأ كتابا وتستوعبه وتدخل معه في حالة عصف فكري وتناقشه وتلخصه وتحاول التحدث عنه مع الآخرين..
ومن عيوب الكثرة والكركبة أنها تعميك عن رؤية الحقيقي والمهم وقد تنسى أنك تمتلكه من شدة التزاحم، وتعجبني كثيرا فكرة أهم مائة كتاب في التاريخ وأحاول دائما الرجوع إليها، وأسأل نفسي بشكل مستمر ما هي مثلا أهم كتب لديستوفسكي؟
فأجيب الإخوة كرامازوف والجريمة والعقاب، وبقية الكتب ما هي إلا تدريب وتمهيد لإنجاز هذين العملين العظيمين، وأسأل نفسي ما هي أهم كتب نجيب محفوظ؟ فأجيب الثلاثية والحرافيش، وبقية الأعمال ما هي إلا تدريب وتمهيد.. وهكذا.
وأعتقد أن فكرة الانتقاء أصبحت ضرورية وملحة في هذا الزمن بسبب وفرة وغزارة الكتب والمعلومات بشكل يشبه الطوفان، ومن يستسلم ويرفض التضحية أملا في أكبر استمتاع واستفادة سيخرج بأقل متعة وأقل إفادة.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.