قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء السادس والخمسون

المدرسة المشَّائية: (54) إخوان الصفا وكتابهم "رسائل إخوان الصفا": ميتافيزيقا العلوم [10]: ميتافيزيقا النجوم (أسطُرُنوميا): اشتياق النفس إلى عالم الأفلاك: صورة تقريبية للجنة

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، (ج 55) عن إخوان الصفا: وكتابهم “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم [9]: ميتافيزيقا الهندسة (الجُومَطْرِيا): جوهر النفس ولغة البعث.

ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”.

  1. أقسام علم النجوم: علم الهيئة وعلم الزيجات والتقاويم وعلم الأحكام

في هذه الرسالة الثالثة من القسم الرياضي الموسومة “أسطُرُنوميا” في علم النجوم وتركيب الأفلاك، من رسائل إخوان الصفا، يبينون فيها أن علم النجوم ينقسم ثلاثة أقسام: [1] علم الهيئة. [2] وعلم الزيجات والتقاويم. [3] وعلم الأحكام. وفي ذلك يقول إخوان الصفا: “إن علم النجوم ينقسم ثلاثة أقسام: قسمٌ منها هو معرفة تركيب الأفلاك وكمية الكواكب، وأقسام البروج وأبعادها وعِظمها وحركاتها، وما يتبعها من هذا الفن، ويسمى هذا القسم “علم الهيئة”.

“ومنها قسمٌ هو معرفة حل الزيجات (جمع الزيج وهو كتاب تعرف به أحوال حركات الكواكب ويؤخذ منه التقويم)، وعمل التقاويم واستخراج التواريخ، وما شاكل ذلك”.

“ومنها قسمٌ هو معرفة كيفية الاستدلال بدوران الفلك وطوالع البروج وحركات الكواكب على الكائنات قبل كونها تحت فلك القمر، ويسمى هذا النوع “علم الأحكام”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“فنريد أن نذكر في هذه الرسالة من كل نوعٍ طرفًا شبه المدخل كما يسهل الطريق على المتعلمين ويقرب تناوله للمبتدئين فنقول”:

2. أصلُ علم النجوم: الكواكب والأفلاك والبروج

إن أصل علم النجوم عند إخوان الصفا يتلخص في معرفة ثلاثة أشياء: [1] الكواكب [2] والأفلاك [3] والبروج.

[الأول] الكواكب

أجسامٌ كُرِيّاتٌ مستديراتٌ مضيئاتٌ، وعددها –على زمن إخوان الصفا– ألفٌ وتسعةٌ وعشرون كوكبًا كبارًا، التي أُدركتْ بالرصد، منها سبعة يقال لها السيارة، وهي: زُحَل والمشتري والمِريخُ والشمس والزُّهرةُ وعُطارِد والقمر، والباقية يقال لها ثابتةٌ، ولكل كوكبٍ من السبعة السيارة فلكٌ يخصُّه.

[الثاني] الأفلاك

أجسام كُريّات مُشِفّاتٌ مجوّفاتٌ، وهي تسعة أفلاكٍ مركبة بعضها في جوف بعض كحلقة البصلة، فأدناها إلينا فلكُ القمر وهو محيط بالهواء من جميع الجهات، كإحاطة قشرة البيضة ببياضها، والأرض في جوف الهواء كالمُحّ في بياضها، ومن وراء فلك القمر فلك عطارد حتى نصل إلى فلك زُحل، ومن وراء فلك زُحل فلك الكواكب الثابتة، ومن وراء فلك الكواكب الثابتة الفلكُ المُحيطِ. والفلك المحيط: دائم الدوران كالدولاب يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض، ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض، في كل يوم وليلة دورة واحدة، ويدير سائرَ الأفلاك والكواكب معه، كما قال الله عز وجل: “وكلٌ في فلك يسبحون”.

[الثالث] البروج

وهذا الفلك المحيطُ مقومٌ باثني عشر قِسمًا كجَزرِ (كقطع) البطيخة، كل قسم منها يسمى برجًا، وهذه أسماؤها: الحَملُ والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسُنبُلة والمِيزان والعَقرب والقَوس والجدي والدلو والحوت. فكل برج ثلاثون درجة، جملتها ثلثمائة وستون درجة، وكل درجة ستون جزءًا، كل جزء يسمى دقيقةً، جُملتها أحدٌ وعشرون ألفًا وستمائة دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءًا يسمى ثانية، وكل ثانية ستون جزءًا، وكل جزء يسمى ثالثةً، وهكذا إلى الروابع والخوامس وما زاد، بالغًا ما بلغ”.

ثم يفصل الإخوان كل جزء من مكونات الكواكب والأفلاك والبروج. وينتقلون من “أسطُرُنوميا” إلى الميتافيزيقا، ومن الميتافيزيقا إلى “أسطُرُنوميا”، على عادتهم في بحثهم ميتافيزيقا العلوم.

3. علم النجوم: تجرد النفس واشتياقها إلى عالم الأفلاك

يقول إخوان الصفا في بيان أهمية دراسة النجوم: “فاعلم أيها الأخ، أن العاقل الفَهِم إذا نظر في علم النجوم، وفكر في سعة هذه الأفلاك، وسُرعة دورانها، وعظم هذه الكواكب وعجيب حرَكاتها، وأقسام هذه البروج وغرائب أوصافها، كما وصفنا قبلُ، تشوَّقت نفسه إلى الصعود إلى الفلك، والنظر إلى ما هناك مُعاينةً، لكن لا يُمكن الصعود إلى ما هناك بهذا الجسدِ الثقيلِ الكثيفِ، بل النفسُ إذا فارقت هذه الجُثة ولم يَعُقها شيءٌ من سوء أفعالها، أو فساد آرائها، وتَراكمِ جَهالاتها، أو رداءة أخلاقها، فهي هناك في أقل من طرفة عين بلا زمان، لأن كونَها حيثُ همتُها ومحبوبُها، كما تكون نفس العاشق حيثُ مَعشوقُه. فإذا كان عِشقُها هو الكونَ مع هذا الجسد، ومعشوقُها هذه اللذاتِ المحسوسةِ المحرقة الجِرْمانية، وشهواتُها هذه الزينةَ الجسمانيةَ، فهي لا تبرحُ من هاهُنا ولا تشتاق الصعودَ إلى عالم الأفلاك، ولا تُفتح لها أبوابُ السماوات، ولا تدخل الجنةَ مع زُمَر الملائكة، بل تبقى تحت فلك القمر سائحةً في قعرِ هذه الأجسام المستحيلة المتضادة”.

 4. علم النجوم: صورة تقريبية للخلود والجنة

ثم يروي الإخوان حكاياتٍ من الحكمة القديمة عن: بطليموس وهرمس وأرسطو وفيثاغورس، والسيد المسيح والنبي محمد عليه السلام، فهذه الحكايات والأخبارُ كلها دليلٌ على بقاء النفس بعد مفارقة الجسد، وأن الإنسان العاقل إذا استبصرتْ نفسُه في هذه الدنيا وصَفَتْ من درن الشهوات والمآثِم، وزهدتْ في الكون هاهنا فإنها عند مفارقة الجسد لا يعوقها شيءٌ عن الصعود إلى السماء ودخول الجنة والكون هناك مع الملائكة.

خلاصة تأويلية

يمكننا –والحال هكذا– أن نستخلص هدف إخوان الصفا وغايتهم من دراستهم علم النجوم: إن الزهد في الكون المادي الفاني: كون ما تحت فلك القمر، “هاهنا”، هو الطريق إلى سماء كون ما فوق فلك القمر، الكون الإلهي الخالد: الجنة، “هنالك”.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم: ميتافيزيقا النجوم (أسطُرُنوميا): التأثيراتُ الخفيةُ للكواكب: السعادات والمناحس.

مقالات ذات صلة:

الجزء الثاني والخمسون من المقال

الجزء الثالث والخمسون من المقال

الجزء الرابع والخمسون من المقال

الجزء الخامس والخمسون من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج