مقالات

طريق الحرير في الميزان

تعتبر فكرة طريق الحرير أو الحزام والطريق قديمة جديدة، البعض يعرفها والكثير منا مازال لا يسمع عنها. فعندما تتعامل مع شركة أو شخص أو دولة وتجد أنك لا تأخذ حقك كاملا أو لا تحصل عليه، فإنك لا تتردد في قطع معاملتك معه بل وربما تقاطعه، إلا أن يكون ضاغطا عليك بقرض أو ديْن يؤرقك وتضطر معه لمعاملته.

والحزام والطريق يعودان لقديم الزمان، فقد كانت العلاقات الصينية العربية مثلا تقوم على الود والمحبة ومن ثم تبادل الخبرات والمنتوجات، كالخزف والحرير والتوابل وغير ذلك. فطريق الحرير شبكة مترابطة من الطرق التي كانت طريقا تسلكه القوافل والسفن، وهذا ما يُطلق عليه طريق الحرير البري و طريق الحرير البحري.

و طريق الحرير له تأثير كبير على الحضارات القديمة وازدهارها كالحضارة المصرية القديمة والهندية والصينية والرومانية والفارسية، وربط قارات العالم المختلفة، فاستفادت منه الدول الواقعة عليه.

ولقد استعاد الرئيس الصيني هذا العمل الضخم وأطلق مبادرة الحزام والطريق الجديدة في عام 2013م، ومن اللافت للنظر أن هذه المبادرة تم عمل دراسات وأبحاث وكتب ورصد ميزانية كبيرة لها، وهنا يمكنني القول: إن الصين لا تقدِم على عمل إلا بعد دراسات وحسابات، وبالطبع حسب سياستها التي تتبعها، أفيد وأستفيد.

هذا الطريق العملاق يعود بالانتعاش والنفع للدول الواقعة عليه، كل دولة حسب قوتها العددية وموقعها الجغرافي وحجم التبادلات بينها وبين الصين، ونلاحظ أن الصين تقوم بتقوية علاقاتها مع كل دول العالم، فهي ستحل محل أمريكا عاجلا أم آجلا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نرقب بعض الدول المحورية التي تقع على الحزام والطريق كمصر وباكستان مثلا، بها قوة الموقع الفريد والقوة الشرائية وغير ذلك من المقومات مما يجعل لها وزنها ودورها الفعال.

وأما على صعيد الصين الداخلي فهذا أمر آخر يقوم عليه خبراء ودراسات متخصصة، فالصين تهتم اهتماما بالغا بالبنية التحتية، وتعمل قواعد انطلاق للخارج لربطها بطريق الحرير، بتقوية شبكة المواصلات بأنواعها (برية وبحرية وجوية)، والاتصالات المختلفة، وربطها بالتكنولوجيا الحديثة المتقدمة.

إن تفكير الصين يختلف تماما عن تفكير الكثير من الدول ذات المنفعة الأحادية والتي قد ترتقي إلى الابتزاز والانتزاع، فهي تعمل في صمت وهدوء وقوة العلاقات مستخدمة شبكات التواصل والعمل الجاد الحازم، كاستضافة الندوات والمؤتمرات العالمية على مستوى عال ونظام دقيق لدرجة الإبهار والإدهاش. فالصين تصعد بخطى ثابتة من السفح إلى القمة، ومن الحضيض والدركات إلى العلو والدرجات، وهذا لا يكون إلا بالعمل الجاد والصبر واستخدام العلم الحديث.

ولا شك أن هذا الطريق سيؤثر على الاقتصاد العالمي، وهذا ما تتخوف منه بعض الدول الكبرى، أن تسحب الصين بساط الاقتصاد والتجارة من تحت أرجلها وتصبح ضعيفة في الاستيراد والتصدير والمعاملات والعملة، كالاضطراب المستمر والحرب القائمة بين الدولار الأمريكي واليوان أو الرنيمبي الصيني.

إن هذا المشروع الكبير سيغطي العالم كله تدريجيا –تقريبا– والصين تسير بخطى حثيثة بالسياسة الحكيمة والدبلوماسية الواعية الواثقة، ومن ثم تقوم بعمل مشروعات وتمويل للدول الصغيرة والكبيرة، فتراها في إفريقيا تساعد الدول النامية، وفي أوربا بالمنتجات والعلاقات، وفي أمريكا بالتجارة تارة والمناوشات السياسية تارة أخرى. فالجاذبية التي تصنعها الصين ولعب السياسة والإغراءت مع الكثير من الدول ومبدأ الاستفادة يجعل مفعول الاتفاقيات والشراكة لها مفعول السحر على المدى القريب والبعيد.

فسياسة الصين أنها تقف مع الدول المتضررة كفلسطين، وتساند الدول التي تحتاج إلى الاستقلال وحق تقرير المصير، لأنها ذاقت مرارة الاحتلال وسلب الخيرات. فبعد الفقر والحرمان والحروب الطاحنة التي أنهكتها انطلقت إلى الاستقرار والرفاهية والتأثير في توجيه سياسات العالم الحديث.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

الصين تحارب الفقر

التضخم – أسبابه وآثاره على المجتمع والإنتاج والسياسة النقدية 

الإنهيار الاقتصادي القادم

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر