نعاس .. رواية هاروكي موراكامي التي فهمها الناس والنقاد بالعكس
هاروكي موراكامي هو الكاتب الياباني الشهير الذي لاقت أعماله نجاحًا باهرًا.
إذ تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعًا، وترجمت إلى أكثر من خمسين لغة.
التخلص من الحياة الرتيبة
تحكي روايته “نعاس” عن زوجة فقدت رغبتها في النوم، فظلت مستيقظة لثلاثة أسابيع متتالية دون أن تفقد طاقتها أو يقظتها.
ذلك لأنها تريد أن تثبت لنفسها أنها قادرة على التمرد على كل روتين يومي في حياتها حتى النوم.
هذه الزوجة في الواقع أصابها الملل من الحياة الزوجية، فهي كل يوم تعد الطعام وتنظف المنزل وتوصل ابنها للمدرسة ثم تعيده للبيت.
وجدت أن الذي تبيت فيه تصبح فيه، وأشعرها ذلك بالملل، فقررت التمرد على هذا الروتين الممل، الذي بدأت تشعر أنه يضيع عمرها هباء.
كما أن هذا التمرد جعل نظرتها تختلف لكل شيء في حياتها، حتى زوجها الذي كانت سعيدة به، وكانت تقدره وكانت راضية بحياتها معه.
تعرف على: علاج التفكير الزائد قبل النوم
تغييرات خطيرة
اليوم راحت تنظر إليه فتشعر أنه يزداد دمامة، حتى ابنها أصبحت تنظر إليه وهو نائم فلا تشعر أنها تحبه كما كانت في السابق.
لقد طال التمرد كل شيء حتى غريزة الأمومة، ثم أنها تمردت حتى على نظامها الغذائي الذي كان يحافظ على رشاقتها، وراحت تأكل الشوكولاتة بنهم، ولم تعد تخشى أضرار الخمر فراحت تشرب دون توقف.
الذين قرأوا الرواية تعاطف معظمهم مع الزوجة ضد روتين الحياة الزوجية، لكن الكاتب المفكر كان يقصد عكس ما فهمه الناس.
الرواية في الحقيقة ضد تمرد الزوجة على الروتين اليومي للحياة الزوجية، أو تمرد الإنسان على روتين الحياة عمومًا، لأن هذا الروتين هو في الواقع ما يحمي حياتنا.
التمرد لا يكون على ضرورات الحياة
كلنا يجب أن ننظف البيت يوميًا لنحمي أنفسنا من التلوث، وعلينا أن نطبخ كل يوم حتى لا نجوع، وأن نعمل حتى لا نتسول، وأن ندرس حتى لا نضيع، وأن نرسل الأولاد إلى المدرسة ليتعلموا.
لا بد أن ننظم طعامنا حتى لا نصاب بالضغط والسكر وأمراض القلب، أو نموت بالسمنة والتخمة، فكلها ضرورات لاستمرار الحياة نفسها.
التمرد لا يجب أن يكون على بديهيات وضرورات الحياة، بل على الأفكار والمشاعر السلبية.
التمرد يكون على الخوف المرضي، وعلى الكسل، وعلى الاستهتار، وعلى اليأس والإحباط والإدمان، لا على واجبات الحياة.
هي رأت زوجها مملًا، لأنه يذهب إلى العمل كل يوم ويعود متعبًا لينام عميقًا كل يوم.
اقرأ أيضاً: دون كيشوت ونهب الغرب للتراث العربي
نحن أسرى طبيعتنا
مع أن مكمن نبله في الواقع أنه يضحي كل هذه التضحيات من أجل عائلته، وأن النوم شيء لا بد منه لكي يستطيع مواصلة هذا الكفاح، خصوصًا وأنه هو الطبيب الذي اشترى عيادته بقرض من البنك واجب السداد.
الحياة العائلية على المحك، وهو يناضل بمفرده حتى لا تنهار وتتفكك الأسرة، فلا يصح استنكار النوم الذي يعطيه قسطًا من الراحة ليواصل الكفاح.
هي تمردت على النوم، وتظن أن كل شيء روتيني يجب التمرد عليه حتى النوم، وهنا تظهر بوضوح جسامة الخلل في فكرتها، فنحن أسرى طبيعتنا ولا يمكن أبدًا الفرار منها.
هل تستطيع أن تتمرد على الموت؟ لا أحد يستطيع، إنها القوة القاهرة للطبيعة، أنت كذلك لن تستطيع أن تتمرد على النوم، ولا على أي من بديهيات الحياة.
النهاية
في نهاية الرواية، نرى البطلة في لحظة تمردها على حياة المنزل تترك البيت كثيرًا لتجلس في سيارتها تستنشق الهواء في الخارج حتى الصباح، أو تقرأ رواية أنا كارنينا، إذ وجدت نفسها في شخصية البطلة التي تمردت على حياتها.
لكن تولستوي في رواية أنا كارنينا جعل البطلة تنتحر في نهاية المطاف، وكأن هاروكي موراكامي يؤكد رأيه في موضوع التمرد، عن طريق هذه المقارنة بين البطلتين المتمردتين في كلتا الروايتين، وأن النهاية في كل الأحوال ستكون مأساوية.
بالفعل، يخرج على البطلة في الشارع ليلًا اثنان من المجرمين ،يحطمان زجاج سيارتها من أجل الاعتداء عليها أو اختطافها، فتصاب بالرعب الشديد.
لكن الرواية تنتهي هنا دون أن نعرف ما جرى للبطلة، وهل قتلت مثلًا أو نجت.
تحليل رواية نعاس عبر عيون هاروكي موراكامي
ذلك لأننا لسنا بحاجة لأن نعرف ذلك، فكل المطلوب معرفته عرفناه، وهو أنها فقدت الأمان الذي كان يوفره لها البيت بروتينه العادي عندما تمردت على ذلك الروتين، وتمردت على الزوج الذي يحميها.
يبدو أن الكاتب أراد أن يجنب الرواية ردة فعل المتعصبين الجدد، الذين يروجون لتمرد المرأة على حياتها الأسرية وعلى زوجها، فتركهم يظنون أن النهاية مفتوحة.
بينما هي في نظر القارئ الذكي ليست كذلك، نهاية الرواية هي ضياع المرأة وخسارتها للأمان، نتيجة تمردها على الضرورات الطبيعية والمنطقية والعادلة لحياتها وحياة أسرتها.
مقالات ذات صلة:
المرأة بين الأسرة والفكر الغربي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
