فن وأدب - مقالاتمقالات

المعطف لجوجول

قال الروائي الروسي الشهير تورجينيف: “كلنا خرجنا من معطف غوغول”. أي كلنا أبناء المدرسة التي انبثقت عن هذه القصة الخالدة، قصة المعطف لجوجول وكلنا تلامذة جوجول.

لمحة مختصرة

الحقيقة أن الرواية القصيرة “المعطف” لنيكولاي جوجول من أرقى إبداعات الأدب العالمي، وجوجول من أكبر كتاب الرواية والمسرح في الأدب الروسي، وهو أحد مؤسسي المدرسة الواقعية في القرن التاسع عشر، وقد تميز أسلوبه بالسخرية الكوميدية.

تحكي رواية المعطف عن موظف فقير في الخمسين، حلم حياته كله يتلخص ليس في الحب والزواج وتكوين أسرة مثلًا، بل في شراء معطف بدلًا من معطفه المهترئ الممتلئ بالثقوب، الذي يجلب له السخرية والاحتقار أينما ذهب والذي لم يعد يقيه البرد.

لقد كافح بشدة وراح لسنوات يدخر من راتبه الضئيل، واكتفى بوجبة طعام فقيرة واحدة في اليوم، واستغنى عن الشمعة التي كانت تنير له حجرته ليلًا ليوفر بضع كويكبات إضافية (قروش)، حتى اضطر للجوء لبيت جارته العجوز ليكمل شغله في ضوء شمعتها، وهكذا حتى تحقق له الحلم في النهاية واشترى المعطف المنشود.

فرحة لم تكتمل

يصف جوجول فرحة بطل القصة بمعطفه الجديد فيقول: “كان أكاكي أكاكيفيتش يسير في أشد مشاعره ابتهاجًا واحتفالًا، وكان يحس في كل ثانية من الدقيقة أن على كتفيه معطفه الجديد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ضحك بسخرية عدة مرات خِلسة من فرط سروره الداخلي. ففي الواقع كان لهذا المعطف فائدتان: الأولى كونه دافئًا والأخرى كونه جيدًا”.

لكن هذه الفرحة العارمة لم تكتمل، فقد خرج على المسكين لصوص على الطريق في نفس يوم امتلاكه المعطف الجديد فسلبوه إياه، في أكبر صدمة وقسوة يمكن أن يتعرض لها في حياته.

الموت برائحة الفقر

رواية المعطفعندما ذهب إلى الضابط في مركز الشرطة وهو يبكي ويرتعش ليشكو له حاله، ويتوسل إليه أن يمسك باللصوص ويعيد إليه معطفه، نظر إليه الضابط باحتقار مستنكرًا كيف أن هذا الحقير استطاع أن يدخل إليه ليقابله شخصيًا، وهو الضابط المهم المغرور بسلطته.

صاح في وجه المسكين صيحة أرعبته حتى أغشي عليه، وتسببت في وفاته في نفس الليلة.

يعبر جوجول عن ذلك تعبيرًا يدمي القلب فيقول: “وهكذا اختفى إلى الأبد كائن بشري، لم يفكر في حمايته أحد على الإطلاق.

رحل الرجل الذي لم يكن عزيزًا على قلب أحد ولم تهتم به روح بشرية أخرى على الإطلاق، حتى علماء الطبيعة الذين لا يترددون في إدخال دبوس في جسد ذبابة عادية ليفحصوها تحت المجهر.

رحل الكائن البشري الذي تحمل صفاقة واستهزاء زملاء العمل دون اعتراض”.

شبح أكاكي كخيار انتقامي

هنا كان يجب أن تنتهي الرواية، ولكن جوجول ألحق بها أحداثًا خيالية، صور فيها شبح الميت يعود لينتقم ممن عذبوه في حياته، ويروح يسلبهم معاطفهم، مما أفسد كثيرًا من بهاء العمل.

لولا أن جوجول توفي قبل شيكوف بأكثر من خمسين سنة، لظننت أنه فعل ذلك ليهرب من تشابه النهاية مع نهاية قصة موت موظف لشيكوف.

يحدث كثيرًا في عالم الإبداع الأدبي والفني أن يلعب المبدع في إبداعه بعد اكتماله، فيروح يضيف إليه ما لا يحتمل، ويبالغ فيه حتى يلحق به الضرر.

اقرأ أيضاً:

رواية “الأفندي” لمحمد ناجي

طواويس بهاء طاهر المجهدة

المُغفلة … ما أبشع أن تكون ضعيفًا في هذه الدنيا!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف