طاعون ألبير كامو .. فلسفة تصلح لكل وباء
نُشرت رواية الطاعون لألبير كامو عام 1947، وتروي قصة متخيلة لطاعون يكتسح مدينة وهران الجزائرية في أثناء الاحتلال الفرنسي. وكانت أول نجاح كبير للكاتب من حيث المبيعات، إذ وُزعت ملايين النسخ منذ ذلك التاريخ. ومع ظهور جائحة فيروس كورونا عام 2020، تصدرت الرواية قائمة المبيعات مجددًا في بعض البلاد الأوروبية.
اختلفت آراء القراء والنقاد في الرواية منذ صدورها وحتى الآن، فكثيرون يقولون إن الهدف منها غير واضح، والبعض يعتبرها فلسفة عبثية، أما القارئ العربي فلا شك أنه سيجد فيها شيئًا مستفزًا، فالرواية تحكي عن مجتمع مدينة وهران الجزائرية في زمن الاحتلال الفرنسي، ولا نجد في المدينة جزائريًا واحدًا بطول الرواية وعرضها، فالكل فيها فرنسي بما في ذلك البوابون والموظفون والباعة الجائلون وقاطنو البيوت إلى آخره.
العبثية في رواية الطاعون لألبير كامو
جاء وباء الطاعون والرواية تحكي عن تعامل الناس مع الوباء ومع بعضهم ومع الحياة في أثناء تفشي الوباء، وعندما ينحسر الوباء في نهاية الرواية نجد الكاتب يصف إحساس الناس تجاه ذلك –وكلهم فرنساوية– بأنهم الآن فقط استردوا وطنهم، يقول إن الفرنسيين استردوا وطنهم ويتناسى تمامًا أنها مدينة جزائرية!
لم تأت سيرة الجزائريين في الرواية إلا تلميحًا عابرًا، مثلما قيل عندما قبض على أحد الفرنسيين بتهمة قتل عربي من سنوات طويلة، ويريد المؤلف بذلك أن يقول إن فرنسا كانت تطبق العدالة، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، بدليل احتلالها البلد وقتلها لنحو أربعة ملايين جزائري، أيضًا كانت تجرب القنبلة النووية في الجزائريين، وحتى عندما تكلم ألبير كامو عن قتل مواطن جزائري لم يصفه بالجزائري بل بالعربي، ليجعل الناس تنسى أن للبلد أصحابًا هم الجزائريون، أما لفظ عربي فقد أفلحوا لعقود سابقة في جعله تعبيرًا عن الاحتقار والشر، فلن يأسى عليهم أحد.
قد يكون ألبير كامو كاتبًا كبيرًا لكنه في هذه الرواية يزيف الحقيقة “عيني عينك”، ويدعم القهر والقتل واحتلال بلاد الغير بالقوة والإبادة الجماعية، حتى أنه يعتبر وهران مدينة فرنسية لشعب فرنسي.
نبذة عن رواية الطاعون
ستجده يقول ما معناه إن الناس عند ظهور الوباء ظلوا على حالهم غير خائفين، لقد صاروا يقللون من خطورته على أساس أن المصابين به قليلون، ثم ارتفعت الأعداد ومع ذلك ظل الناس لاهين يضحكون ويمارسون حياتهم، فإن تحدثوا عن الوباء فلتسلية الوقت والاستمتاع بإثارة الحدث ليس أكثر: “ياه! خمسمائة حالة في اليوم؟ لقد صار الوضع مخيفًا!”، لكنهم يقولون ذلك وهم يلعبون الكوتشينة ويصنعون الشطائر ويبتسمون.
ثم ترتفع أعداد المصابين إلى عشرة أضعاف، لكن الناس مع ذلك لا تفزع بالقدر الملائم لخطورة الموقف، ويصبح الواحد منهم محاطًا بالمصابين من جيرانه في البنايات المجاورة، لكنه يتأسى عليهم فقط، في حين يشعر بالارتياح أن المرض يغفل عنه وأنه محظوظ، ولسبب مجهول يتصور أنه لن يلتقط العدوى، ثم يطال المرض بيته فيصيب ابنته ويمزق جسدها تمزيقًا، هنا فقط يبدأ في الخوف وفي البكاء، وهنا فقط يعرف أن الموت غير بعيد، هذا الإنكار أو الإدارك المتأخر لخطورة الكارثة، الذي قد يتسبب في فشل التعامل معها، لا يحدث فقط على مستوى المواطنين بل والمسؤولين، الذين نجدهم يخسرون كثيرًا من الوقت قبل اكتشاف الحجم الحقيقي للكارثة، وهو نفس إحساس الناس عمومًا تجاه الموت حتى غياب الوباء، فالناس لا يشعرون بالموت إلا كشيء بعيد عنهم.
الطاعون في زمن الكورونا
يذكِّر هذا بظهور وباء كورونا في العالم منذ سنتين أو ثلاث، إذ صار الناس تتفكه وتقلل من خطورة الحدث، في البداية أنكر كثيرون ظهوره أصلًا والبعض قال إنه مجرد كذبة، متناسين أن الأوبئة ظهرت كثيرًا من قبل وتسببت في إبادة نحو نصف البشر على وجه الأرض.
ثم يبدأ الناس من حولهم يموتون، في نفس المنطقة السكنية، ثم في نفس الشارع، ثم في نفس العمارة وفي نفس الطابق، ثم يدخل المرض بيتهم هم أنفسهم فتموت الأم أو الأب أو الابن بالفيروس، إنه تمامًا ما تحدث عنه ألبير كامو، عن طبيعة الناس في كل زمان، يميلون إلى الإنكار والتكذيب، حتى آخر لحظة، إنهم لا يصدقون إلا بعد فوات الأوان، والحديث ليس عن الأوبئة فقط، بل عن كل خطر وكل حقيقة غير مرغوب في تصديقها.
تحليل ومراجعة رواية الطاعون
بغض النظر عن كل ما سبق، فالرواية تطرح فكرة رد فعل الناس تجاه النازلة العامة، عندما يصبح المجتمع كله فجأة فريسة لكارثة واحدة وخطر شديد مشترك، كيف يتصرف الناس عندئذ؟ خصوصًا عندما يتعلق الموقف بالموت والحياة، هل سيكون سلوكهم متضامنًا أم سيتعاملون كجزر منفصلة؟ هل ككيان واحد أم بشعور أناني لا يهم كل إنسان فيه إلا نفسه وأسرته؟ هل سيعلو الخوف على الوطن فوق الخوف على النفس أم ينتصر خوفك على نفسك على كل خوف آخر؟ وهل سيتفاعل الجميع إزاء الموقف تفاعلًا واحدًا أم ستظهر اختلافات أخلاقية وإنسانية وثقافية؟
الحقيقة أنك سترى البعض رغم اقتراب الخطر منه يحاول إنقاذ غيره من الموت، في حين أن البعض الآخر لا يترك له خوفه على نفسه أي رغبة في التعاطف مع الآخر، في الوباء ستعرف من سيكون مستعدًا لتعريض نفسه للخطر من أجل إنقاذ جار أو صديق أو حتى إنسان لا يعرفه لمجرد أنه إنسان، ومن لا يفكر إلا في إنقاذ نفسه، فالناس معادن والكارثة ستكشف عن حقيقة كل معدن، وعن ثقافته وعن أخلاقه بل وأفكاره ونوازعه.
البعض مع الكارثة سيبدو كأنه قد تغير للأفضل والبعض سيبدو كما لو أنه قد تغير للأسوأ، الكارثة في رواية الطاعون تضع كل إنسان أمام اختباره الشخصي، لكن الجميع سيشعر بنوع من الإهانة، فالموت بهذه الطريقة مع عدم توافر أي وسيلة حقيقية لمنعه يكسر كبرياء النفس، ويضع الناس جميعًا أمام إحساس بالضعف والضآلة، ولعل هذا هو جوهر الفكرة.
البعد الإنساني في رواية الطاعون
الكاتب يتناول أيضًا نظرة الناس إلى الموت والخوف والقدر والخطر، وهو ما يختلف من شخص لآخر رغم الاشتراك، فلا أحد يحب التعرض للموت، لكن فلسفة الموت والحياة تختلف باختلاف طبيعة كل إنسان وثقافته.
في رواية الطاعون لمحات فلسفية تستدعي التأمل، يقاوم أهل الموبوء نقله إلى المستشفى لأن كل من يذهب إلى المستشفى لا يعود، وهم هنا يتناسون أن كل مصاب بالمرض يموت، سواء في البيت أو المستشفى، فكأنهم يحاولون الفرار مما لا مفر منه، الموت في الرواية مثال على ما لا بد منه.
ستجد الطبيب في المستشفى رغم تيقنه من أنه سيموت في النهاية بالوباء بسبب تعامله معه، فإنه مع ذلك يستمر في تعامل معه، فتلك مهنته ولا بد من التعامل معه مهما كان الثمن.
الحياة نفسها هزلية لكنك تحياها رغم علمك بهذه الحقيقة، هذا الطبيب رغم حرصه على بذل ما في وسعه لإنقاذ المريض، تجده مع ذلك يعلم جيدًا أنه لن يستطيع فعل شيء مهم لانقاذه فالنهاية محتومة، لكنه سيستمر في المحاولة لأن هذا واجبه، كما تجده يتعمد أن يجعل مشاعره مع المرضى لا مبالية، ليس لأنه غير متعاطف معهم بل لأنه لو أطلق العنان لهذا التعاطف فسينهار ولن يعود قادرًا على أداء مهمته أمام كل هذه الآلام وهذا الموت.
هكذا الحياة نفسها في تعامل الإنسان معها، وكيف أن عليه أن يغض النظر عن كثير وأن ينسى ويتجاهل، لأن البديل أن يعجز عن الصمود.
مقالات ذات صلة:
أنا عشقت .. رواية عجائبية عن واقع اجتماعي صعب
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا