فن وأدب - مقالاتمقالات

الروهينجا ورسالة الفن!

فنهم وفننا.. ممثلوهم وممثلونا! الفن رسالةٌ قبل أن يكون إبداعًا أو مهنة تُدر المال والشهرة، هو كل ما يهزنا ويضعنا وجهًا لوجه أمام واقع نكابده ونسعى إلى تعقيله، هو عنوان غِنى النفس واتصالها الوثيق بالكون والحياة، والفنانون الحقيقيون يتواجدون في الحدث الفعلي بحثًا عن الإنسانية مثلما يتواجدون في أعمالهم، والإنسانية لا دين لها ولا قومية!

مات ديلون يزور معسكرا لمسلمي الروهينجا

سئمت المقارنات المؤلمة بين غرب وشرق، جدٍ وهزل، إنسانية وبهيمية، لكني أجدني مضطرًا للتوقف أمام هذا المشهد، رسالة الفن كما فهموها وطبقوها، ورسالة الفن كما فهمناها وطبقناها (إن كان لدينا ثمة فن!)،

أين ممثلونا ومشايخنا وإعلاميونا مثلًا –الذين ينتفضون دومًا لتوافه الأمور– من الممثل الأمريكي «مات ديلون» Matt Dillon الذي اتجه بفنه وشهرته إلى إحدى أكثر المناطق سخونة وخطورة في العالم: «ميانامار» Myanmar، أدرك أن الفن رسالة، فشد رحاله منتصف سنة 2015 إلى أحد مخيمات «الروهينجا» Rohingya (المسلمين) لتسليط الضوء على محنتهم كأقلية تواجه الاضطهاد والتمييز العنصري والقتل الممنهج من قبل السلطات البورمية!

تصريح مات ديلون

«إنه لأمرٌ مفجع، جرحى وقتلى، أمهات يحملن أطفالهن الرُضع وتعلو وجوههم وأجسادهم جميعًا علامات سوء التغذية، أطفال عرايا يلعبون في الأتربة ويبدون مهزومين تمامًا، أناسٌ يفرون في قوارب الموت دونما جهة هربًا من الموت والعنف اللا إنساني، يفر منهم الحاضر والمستقبل، وما من أحدٍ يريدهم، ذنبهم الوحيد أنهم مسلمون!».

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هكذا صرَّح «ديلون» واصفًا مأساتهم التي غفل عنها فنانونا ومشايخنا وإعلاميونا، وباتت دماؤهم أرخص من برميل نفط في خليجنا! لم تكن هذه هي الزيارة الأولى لـ «ديلون» إلى بؤر الصراع في العالم، فقد سبق له زيارة مخيمات اللاجئين في السودان والكونغو وغيرها.

أنجلينا جولي تزور مخيمات اللاجئين

51c161c66 - الروهينجا ورسالة الفن!وهو ما قامت به بالمثل الممثلة الأمريكية «أنجلينا جولي» Angelina Jolie في مارس من سنة 2013، حين ارتحلت لزيارة مخيمات اللاجئين في سوريا، ثم تابعت خلال مارس الماضي (2022) جولاتها الداعمة للجهود الإنسانية في الأماكن الساخنة كاليمن،

ولم تغفل –عقب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية مؤخرًا، وفرار مليون أوكراني من بلادهم– عن زيارة أوكرانيا والدعوة إلى معاملة جميع اللاجئين والنازحين في مختلف بقاع العالم معاملةً متساوية ومنحهم حقوقًا متساوية، مُذكرةً بمأساة اللاجئين في كلٍ من سوريا وميانمار واليمن.

أنجلينا جولي تناشد العالم وضع حد لارتفاع أعداد النازحين

كتبت «جولي» في منشور على كافة حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي: «لقد فر مليون لاجئ الآن من أوكرانيا، ولكن قبل عبور لاجئ أوكراني واحد الحدود، كان هناك بالفعل أكثر من اثنين وثمانين مليون شخص مجبرين على ترك منازلهم على مستوى العالم –وهو أعلى رقم مسجل حتى الآن– من بينهم أكثر من ستة ملايين سوري (أكبر عدد من اللاجئين في العالم)،

نزحوا منذ أكثر من عقد من الزمان، وأكثر من مليون من الروهينجا من ميانمار (الذين تم تهجيرهم قسرا)، لقد أُجبر ما يقرب من ثمانية وأربعين مليون شخص على ترك ديارهم بسبب الصراع والعنف، بخلاف الذين يعيشون نازحين داخليًا، في اليمن والصومال وأفغانستان وإثيوبيا وفي العديد من الأماكن الأخرى. إن جميع اللاجئين والنازحين يستحقون معاملةً وحقوقًا متساوية».

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا شك أن اهتمام الفنانين الغربيين بقضية «الروهينجا» ساهم في التعريف بهم وبمحنتهم، واهتمام ممثلينا بالرقص والغناء أثمر جهلًا فاحشًا بهم في مجتمعنا، فمن هم الروهينجا؟

من هم الروهينجا

d4b6ecbf e764 4158 95f3 771974c7e564 16x9 1200x676 1024x576 - الروهينجا ورسالة الفن!هم جماعةٌ مسلمة تستوطن ولاية أراكان غرب بورما، يبلغ عددهم وفق تقديرات سنة 2012 نحو 800.000 نسمة، وتعتبرهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم.

ويرجع أصل المسمى «روهينجا» وفق إحدى الروايات إلى الكلمة العربية «رحمة» التي نطق بها رحالة عرب تحطمت سفينتهم على الشاطئ وأمر ملك البلاد آنذاك بقتلهم، فصاحوا «الرحمة.. الرحمة»، فسماهم الناس «راهام» والتي تم تحريفها لكلمة «الروهينجا» الحالية.

ويذهب آخرون إلى أن أسلاف «الروهينجا» هم من الروها في أفغانستان، وفي المقابل يقول البعض إن أصل الكلمة هو المملكة الأركانية القديمة «مروهاونج».

مأساة الروهينجا

ما زالت مأساة الروهينجا التي أثارت وتثير غضب العالم عالقةً دون حل، وتتدهور يومًا بعد الآخر، حيث تعاني الأقلية المسلمة من اضطهاد وتطرف الأغلبية البوذية التي لا تتورع عن ممارسة الإبادة الجماعية ضدها على مرأى ومسمع من كافة الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، وما زلنا نحن، وما زال فننا في مقاعد المتفرجين!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفنان ضمير أمته الحي، والفن رسالة إنسانية تسمو بالمجتمع نُشدانًا للحق والخير والجمال، فإن لم يكن كذلك فلا حاجة لنا به!

اقرأ أيضاً:

كيف يدافع الفن عن قضية؟

الفن حلال المشاكل

لماذا خذلت السينما المصرية قضية فلسطين؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية

مقالات ذات صلة