قضايا شبابية - مقالاتمقالات

النخب مصدر قوة المجتمع

لكل مجتمع مصادر قوة سواء موارد طبيعية أو بشرية، وكلا من تلك المصادر هي من نعم الخالق الكريم على عباده، والتي تستلزم الشكر من جهة والعناية بتلك المصادر من جهة أخرى، فعلى مستوى الموارد الطبيعية يكون ترشيد الاستخدام

والاستفادة القصوى من تلك الموارد سواء مصادر الطاقة أو أراضي صالحة للزراعة أو بعض الثروات الأخرى مصدر قوة إضافي بجانب الموارد نفسها، فالبلدان التي تعرف كيف تستثمر مواردها الطبيعية بطريقة مناسبة هي أكثر الدول تحقيقاً لمعدلات تنمية أكبر وأسرع.

لكن هل تنطبق تلك الرؤية للتعامل مع مصادر القوة من الموارد البشرية والتي تتمتع بالمواهب العلمية والفكرية؟

الموهبة بين الاكتشاف وتمكين الموهوبين

لا شك أن الكثير من الناس يمتلك مواهب في جوانب شتى، لكن دون الاستفادة من تلك المواهب؛ فالإهمال يجعل مصير تلك الموهبة هو الضمور شيء فشيء حتى تختفي،

وعلى العكس من ذلك لو تم اكتشاف تلك المواهب مبكراً وتقديرها والعمل على تنميتها بالعلم والهمة وتحمل الصعاب سوء من الفرد الموهوب نفسه أو المحيطين بتلك الموهبة؛ فإن النتائج ستكون كبيرة من حيث درجة الاستفادة بتلك المواهب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالطفل صاحب الموهبة في الرسم أو الكتابة يجب اكتشافه من الأسرة أولا والعناية به، ثم يأتي دور المعلم وهكذا من دائرة إلى أخرى، لكن في نفس الوقت يجب أن يتعلم هذا الطفل الموهوب نفسه الصبر على التعلم وتقبل النصيحة وبذل الجهد المناسب حتى تنضج تلك الموهبة ويصير من مجرد شخص يمتلك موهبة إلى فرد من النخب المجتمعية في محيطه.

أسلوب الاستعمار في تهميش النخب

دور النخب

ولا نحتاج هنا إلى التأكيد على أن من أسباب تخلف وتراجع الأمم والمجتمعات هو إغفال قيمة تلك النخب الحقيقية في مجتمعاتنا،

بل قد وصل الأمر بفعل الغزو الثقافي إلى تغافل الشعوب عن تلك النخب بل في كثير من الأحيان ينكرون تلك المواهب مرددين مقولات الاحتلال الفكري الحديث والاحتلال العسكري القديم بأن المجتمعات الغربية فقط هي من تستطيع التفوق والتقدم وأننا لا نستطيع ولا نملك مقومات التقدم والرقي.

يبدو ذلك واضح من سيرة ومسيرة الاستعمار في كل أرض حل بها، فالكثير من البلدان خصوصا في الشرق كانت تملك من الحضارة والتنمية والموارد مرحلة جعلتها في استقرار اجتماعي محققة الاكتفاء الذاتي من أغلب احتياجاتها،

لكن بعد دخول الاحتلال الغربي تحولت تلك للموارد إلى مصدر لقوة المحتل وليس أصحاب الأرض، ففي  العديد من دول القارة الأفريقية أصبحت الكثير من موارد الدول من مواد خام وأراضي وخبرات بشرية تحت سيطرة المحتل إلى وقتنا الحاضر.

النخب وتأثيرها في تكوين واستقرار المجتمعات

إن إغفال تلك النعم والمواهب لدي أي شعب يصبح من السهل جدا سلب مصادر تلك القوة منه، فما بين الغفلة والسرقة صلة وثيقة تبدأ بالتغافل والإنكار وتنتهي بالسرقة والنهب من المستعمر الذي يظن أن كل موارد البلد المحتل هي حق له بقوة السلاح أو بأضعاف الخصم وصرف نظره عن مصادر قوته الطبيعية منها والبشرية.

وهذا الكلام كله لا ينطبق على الشعوب فقط؛ بل تعد المسؤولية مشتركة بين الشعوب وبين نخبها ومفكريها بدرجة متساوية، ولا أبالغ إن أشرنا  إلى أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النخب الواعية بشكل أكبر، نظراً لتمتعها بالقدر الكافي من المعرفة وسلامة الرؤية والتشخيص الدقيق للمشكلات ومصادرها والحلول الخاصة بها وسبل تحقيقها،

بخلاف الشعوب التي تختلف درجات الوعي والرؤية لديها، فمسؤولية النخب أكبر في هذا المضمار لما تحمله من دور توجيهي وتعليمي كلاً في مجاله تجاه أبناء مجتمعه، ومن الضروري على من يتحمل مسؤولية النخبوية أن يتأقلم على الصعوبات التي يفرضها هذا الدور القيادي والتوعوي،

فالواقع يثبت أن الحياة مليئة بالصعوبات والتحديات وهذه الصعوبات تزداد كلما كان المحتل طرفا في أي صراع سواء كان صراعاً فكرياً أو ثقافياً أو عسكرياً.

اقرأ أيضاً:

هل تعلم كم النخب الذين تم إخفائهم عن أجيالنا 

النخبة وصناعة الوعي

عن صُحبة الأغبياء!

كيف تتغلب النخب على الصعوبات التي تواجهها؟

دور النخب

يجب أن تعمل تلك النخب وفق تلك الصعوبات ولا تنتظر أن تكون الأرضية مناسبة للعمل، ومحاربة تلك الصعوبات والعوائق هي في الأساس تقع على عاتق النخب الحقيقة في أي مجتمع، فبعض النخب تتوقف عن دورها لمجرد أنها لم تحصل على التقدير المناسب، أو أنها لم تجد آذان تسمع وعقول تعي ما تنادي به، أو أن الطريق صعب وطويل وغير واضح النهايات والنتائج.

وهنا نؤكد أن الصعوبات السابقة وغيرها الكثير بدون شك موجودة وتعد من العراقيل والموانع الحقيقية أمام النخب، لكن في نفس الوقت نؤكد أن الشخص صاحب الموهبة والمحسوب من ضمن النخب عليه مسؤوليات وواجبات

بحكم ما منحه الله من نعم غير متوفرة لغيره تستوجب شكرها والعمل وفق مقتضاها الصحيح والسليم بالرغم من وجود تلك الصعوبات والعراقيل، والعمل على التصدي لها بما يخدم الأهداف الحقيقية والتي بدورها تنعكس إيجاباً على كلا من الفرد والمجتمع.

النخب الفكرية ومصادرة العقول

ويجدر بنا الإشارة إلى نقطة هي في المقام الأول نقطة فكرية ألا وهي أن قيمة النخب الفكرية يظهر في مجالات شتى إلا أن المجال الأبرز والمرتبط بواقعنا اليوم هو حل المشاكل القائمة بالفعل والتغلب عليها وليس الاستسلام لواقع الحياة بصعوبتها،

والتي بدورها يحتاج بجانب المستوي العلمي المطلوب من النخب جانب أخلاقي وقيمي عال جدا يليق بحجم تلك الصعوبات، والتعامل معها بفلسفة مغايرة لتلك الفلسفات الغربية القائمة على حب الظهور والشهرة وتحقيق المنفعة الشخصية،

وعدم مراعاة هذا البعد عن بعض النخب (الجانب الأخلاقي) جعلهم فريسة سهلة للمحتل الغربي بفكرة المادي، وإغرائهم بمزيد من الشهرة والمال والحياة المترفة، فجعلوا أنفسهم بضاعة تقدم لمن يدفع أكثر،

فكم من العقول هجرت أوطانهم وتخلت عن دورها الأخلاقي تجاه مجتمعاتها ولم يراعوا ما أنعم به الله عليهم من مواهب لخدمة باقي الناس، والتي بدورها ستحقق لهم قيمة حقيقية لدورهم وحياتهم بأنهم على درب المصلحين في هذا العالم فتتحول حياتهم القصيرة إلي رمز يحتذى به على مر الأجيال القادمة.

أهمية توفر الجانب الأخلاقي في النخب

وقد يبرر الكثير من النخب التي هجرت أوطانها، سبب هذا الجفاء بسرد الكثير من المعاناة التي دفعتهم لهذا القرار، ولهذا نكرر التأكيد على المستوي الأخلاقي الذي يجب أن يتسم بها النخب الحقيقية؛ فهي بمثابة حائط الصد للمغريات الفانية التي تجعل منهم عوامل  قوة للغير بدلا من أوطانهم.

في الختام نؤكد على أن التقدم والرقي هومن صنع رجال على مستوى عال من سلامة الرؤية ووضوح الطريق، مستعدين لتقديم العون لمجتمعاتهم مسخرين مواهبهم في خدمة أوطانهم وفي سبيل القضايا الحقة لبناء مجتمعات واعية حرة مستقلة.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا