مقالات

تقاعس المفكرين

بين التبرير والجهل

بين الجهل بالواقع على حقيقته، وبين مداخل النفس الإنسانية وأمراضها الباطنية من الغرور والحسد وتفاقم الأنا وادعاء العلم والفهم، تكثر الأعذار التي يمليها المفكرون لإخفاء ذلك الضعف البشري والفكري الكامن بداخل المتقاعسين منهم، فحين نستعرض تلك الأعذار يتضح زيفها، كذلك نستطيع فهم وسر جذورها… فلا عجب أن أعذار الماضي هي أعذار اليوم من حيث المضمون! كذلك الدور المطلوب من المثقف اليوم هو نفسه من حيث المضمون ما كان مطلوبًا من كل مثقف في الماضي أو الحاضر أيضا!

دور المفكر لا ينبغي أن يرتبط بمكسب مادي

يحكي لنا التاريخ الكثير من العبر والأحداث التي نستفيد منها كمضمون يعبر عن واقع الحال وواقع النفس البشرية، فعلى مدار التاريخ وجدت الصعوبات والمحن التي كانت تعرقل حركة الحق والخير؛ فهذا من طبيعة الحياة في أغلب الأحيان، وحال أغلب المفكرين المنهزمين لأسباب فكرية أو شخصية هو واحد تقريبا؛ فنجد على سبيل المثال:

العذر بأن طريق الحق طويل وشاق ولا أمل في اجتيازه والتغلب عليه بجهدنا المحدود، ولا ضمان للتغلب على المشكلات المنتشرة في هذا الطريق، مما يجعل من الصعوبة معرفة ملامحه وأسبابه ومعرفة سبل التغلب عليه، فكيف لنا كمفكرين أن نحدد ونعدل طريقًا مظلمًا للنهاية ومتعدد المشاكل والصعاب.

وهذا لا يوجب علينا الإقرار بأن الطريق طويل؛ فهذا لا شك فيه، لكن في الوقت نفسه دور المفكر لا ينبغي أن يرتبط بمكسب مادي يحصل عليه في نهاية الطريق أو جائزة عاجلة يكلل بها جهوده في لحظة نصر؛ لكي يزهد في طريق طويل وشاق قد لا يصل إلى آخره!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بل يجب أن يكون الهدف الحقيقي من عمله إظهار الحق وبيان طرق الوصول إليه، وهنا نلاحظ أن هذه الأهداف لا يمكن ضمان نتائجها بالحسابات المادية، بل اليقيني في الأمر هو سلامة الحق في ذاته، مهما كانت الصعاب ومهما طال الطريق.

فالمسألة هي في الأساس واجب العقلاء في كل زمان ومكان، من رصد السلبيات والمشكلات والعمل على حلها، إيمانا منهم بقيمة هذا الدور وأهميته، وما نشهده اليوم من تقاعس في أداء هذا الدور العظيم، له أسباب متعددة نجد أن الجهل بالواقع وبالنفس من أهم أسبابها كما ذكرنا في بداية المقال.

أسباب ظهور وانتشار الجهل

لكن هذا الجهل ليس وليد الصدفة، بل يمكننا أن نؤكد أن من ضمن أهم  أسبابه القوية والتي أدت لظهوره وانتشاره:

مخلفات الاستعمار القديم، من ضرب مواطن القوة الفكرية والمادية داخل أغلب المجتمعات؛ فما حصل في الكثير من دول العالم من محاربة الزراعات التي كانت تميز بلدا معينا مثل القطن المصري والشعير السنغالي، مما ساهم في إفقار تلك الدول وحرمانها من موارد أساسية للإنفاق على عمليات التنمية والتي من أهمها التنمية البشرية.

ولا نغفل في بحثنا عن سبب هذا التقاعس والناتج عن جهل دور الحرب الثقافية الناعمة والتي لا تقل شراستها عن الحرب التقليدية، تلك الحرب التي جعلت العقول ميدانًا لها، وقد فازت للأسف الشديد في أغلب معاركها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالتغيرات في أفكار المفكرين وتأثرهم بالثقافة المادية الغربية وجهلهم بخصوصيات حضارتهم وهويتهم الأصلية، ما هو إلا تجسيد واضح لانهزام تلك العقول في ميدان الحرب الثقافية.

إن تقاعس أغلب المفكرين للأسف أصبح أمرًا واقعًا وملحوظًا، بالرغم من ذلك لا يجب أن نفقد الأمل في صحوة فكرية عقلية تحيي النفوس والعقول معًا، تسترشد برؤى الحكماء من أجل إعادة إحياء العقل، وتنمية القدرة على التفكير السليم وإدراك الواقع من حولنا. وتجارب الخبراء لمواكبة واستيعاب الجديد فى كافة مجالات تنمية المجتمع.

اقرأ أيضاً:

جاهل مش شتيمة على فكرة

حياة الفلاسفة

هل تعلم كم النخب الذين تم إخفائهم عن أجيالنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة