أيقن الجميع أن خرافة الأوروبي
نحن نعيش اليوم في القرن الحادي والعشرين الميلادي، لكن لا يزال تأثير عقلية القرن التاسع عشر واضحة في كثير من الناس، ولذلك سوف أشرح لكم عقلية القرن التاسع عشر، كي نفهمها، ونعرف كيف نتخلص منها، للتطور نحو المستقبل.
عقلية القرن التاسع عشر ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين، ثم بدأت تنهار وتنفصل عن الواقع في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الثانية!
في مرحلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر حدث أمر غير طبيعي، حدث تطور علمي سريع في غرب أوروبا، واستعملته غرب أوروبا في السيطرة العسكرية والفكرية والثقافية والاقتصادية على العالم كله!
فجأة تحول أغلب العالم إلى مستعمرات تابعة لبعض الدول الأوروبية، ومعها ظهرت أفكار غير منطقية، تتعارض مع العلم والمنطق والتاريخ، منها أن الرجل الأوروبي الأبيض أفضل وجنسه أفضل وأعظم من الأجناس الأخرى، وأن العادات والتقاليد والفلسفة والأديان الأوروبية هي الأفضل، وأنها تؤدي إلى التقدم العلمي!
منها أن أصبح سكان المستعمرات ينظرون إلى أنفسهم باحتقار، بنظرة الرجل الأوروبي نفسها إليهم، أنهم قبيحون، وأجناس أقل في الذكاء والحضارة والتحضر والأدب، وعليهم ترك حضاراتهم وعاداتهم وتقاليدهم، بل وأحيانًا أديانهم، وتقليد الرجل الأوروبي في كل شيء، كي يصبحوا متقدمين مثله علميًا، ومتحضرين!
أصبحت أفكار الرجل الأوروبي كلها ينظر العالم إليها على أنها صحيحة وعظيمة، حتى لو كانت حمقاء، وأصبح العالم يخلط بين التطور العلمي المؤقت، الذي حققه الرجل الأوروبي في القرن التاسع عشر، وبين الحضارة والدين والأدب والفلسفة، فيعتقدون أن كل ما هو أوروبي صحيح، وكل ما يخالفه خطأ، وأصبح الجميع يسعى إلى تعديل حضارته وثقافته وعاداته وتقاليده ودينه، كي يتناسب مع الأفكار والفلسفات والتقاليد الأوروبية!
لكن هنا يظهر سؤالان: ما سبب انتشار هذه الأفكار حتى اليوم وزراعتها في عقول الملايين؟
السؤال الثاني: ما الدليل على أن هذه الأفكار خطأ وانتهى زمانها في القرن الواحد والعشرين؟
سبب انتشار هذه الأفكار أنه مع نهاية القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين، انتشرت الطباعة والتعليم المدرسي حول العالم، ومعه انتشرت الإذاعة والسينما ثم التليفزيون، وهذا ساعد على انتشار هذه الأفكار الحمقاء وزراعتها في عقول شعوبنا وملايين حول العالم بالإعلام والتليفزيون والتعليم! حتى أصبحت مناهج الوزارة وسيلة لغسيل دماغ الشعوب، يساعدها أفلام السينما والتليفزيون والصحافة والإعلام.
الدليل على أن هذه الأفكار خطأ وانتهى زمانها، أن التقدم التكنولوجي والحضاري الأوروبي بدأ يتراجع مع النصف الثاني من القرن العشرين، واليوم نرى صعود الصين واليابان وكوريا والهند وإندونيسيا وغيرهم، وأن الدول العظمى التي كان ينظر إليها الناس في القرن التاسع عشر على أنها معجزات وآلهة لا تقهر، مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا، تحولت إلى محض مستعمرات أمريكية، يصدر لها رئيس أمريكا الأمر، فتقوم بالتنفيذ والطاعة، حتى لو ضد مصالحها.
رأينا أن العلم والذكاء والإبداع لا يرتبط بجنس ولا شعب ولا لون بشرة ولا ثقافة ولا لغة، تمامًا كما كان طوال التاريخ.
مع الإنترنت أصبح الناس يرون الأوروبي الأحمق، وفضائحه، بعد أن كانوا لا يرون إلا الأخبار التي تتحدث عن الأوروبي الخارق العظيم!
اكتشف الناس أن الأوروبي أحمق، يقتل أخاه الأوروبي بالأسلحة الحديثة، ويحمل في قلبه الأسود الطمع والجشع والكراهية، وصفات لا تدل على متحضر مهذب، بل تدل على أخلاق الخنازير! وأن فلسفات الأوروبي وأفكاره فيها كثير من الحماقات!
اكتشف الناس أن الأوروبي الذي يتحدث ليل نهار عن الحضارة والرقي والأخلاق والعطف والذوق، يتحول إلى قاتل بشع في لحظة، حتى أن القتلة الأوروبيين قتلوا من أنفسهم ومن العالم أكثر من أي تنظيم إرهابي أو قبيلة بدائية.
مع القرن الحادي والعشرين، أيقن الجميع أن خرافة الأوروبي السوبر الأبيض الخارق كانت أكذوبة صدقها كثيرون نتيجة مرحلة مؤقتة وظروف مؤقتة تغيرت بعد بضع سنوات، لكن لا يزال بعضهم يعيش فيها ولم يلاحظ أن العالم تغير ويتغير بسرعة، وأن القرن التاسع عشر قد انتهى منذ زمن بعيد، وأننا في القرن الحادي والعشرين!
مقالات ذات صلة:
انهيار الاتحاد السوفييتي .. قصة عجيبة
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا