سمعت قبل كده حكاية الطاعُون؟
مرة كتبت قصة بسيطة اسمها “طاعون” كانت كما يلي:
الطاعون يقتل عائلة بدران
في القُرى المصرية القديمة كان مُنتشر “الطاعون”، فكان أهل القُرى بيتعاملوا مع المرض ده على أساس أنه شبح أو عفريت بيزور الناس وهي نايمة، فكانوا بيقفلوا البيوت تمامًا على أهلها،
والأهالي بيعلّقوا “ثوم” على مداخل البيوت، عشان يطردوا الروح الشريرة اللي هي الطاعون من قُدام البيوت، ومحظور تمامًا أن حد يمشي في الشوارع أو التواجُد في أي مكان.
في قرية مصرية قديمة بالصعيد، صحي “بدران” اللي كان قافل بيته كُويس جدًا ومعلّق الثوم ومُتبع كُل التعليمات عشان يلاقي أمه ومراته وبنته وابنه كُلهم بيحتضروا، ومفيش أي أمل لنجاتهم،
وفعلًا بعد ساعات من الحُمى ماتوا واحد ورا التاني ومكنش قادر يساعد حد فيهم، بقوا يموتوا في حُضنه وهو مش ملاحق، نفسيته اتدمرت، وواحد ورا واحد من أهله بيموت، وفضل يبكي بحُرقة شديدة والعالم قُدامه استحال للون أسود قميء وهو مُضطر يدفنهم في حوش البيت.
محاولة للانتحار
طاردته كوابيس نظرات بنته ليه وهي بتترجاه يوقف الألم، ونظرات ابنه وهو بيحاول يصطنع الصمود والتماسُك، تنهيدات أمه وطلوع نفسها الأخير، نظرات زوجته وكأنها عارفة إنها خلاص بتودعه،
كُل النظرات دي كانت بتطارده في وقت ما هو صاحي ووقت ما يكون نايم، كوابيس، وواقعه اتحول لبوتقة من الحُزن والألم الشديد، ألم من شدته قلبه كان بيوجعه فعلًا، وكان بيتمنى يحصلهم ومستغرب جدًا ليه هو كمان مماتش معاهم.
يوم ورا يوم مستني يصحى يلاقي الحُمى أصابته بس بلا أمل، وحاول ينتحر أكتر من مرة لكن “الغل” اللي كان جُواه بيمنعه، شاب تلاتيني عاش طول حياته رافض الحياة في القرية البسيطة، وأحلامه كانت إنه يكون أكتر من مُجرد واحد من أهل القرية، دلوقتي فقد كُل اللي بناه ورضا بيه في يوم.
مطاردة الطاعون
بعدها بكام يوم بيسمع مُنادي في البلد ماشي ينادي على الناس إن أخيرًا الطاعون رحل، خرج وسط الناس اللي كانوا بيحتفلوا عشان يُدرك إن محدش مات غير أهله وبس من كُل سُكان القرية، فكتم سره جُواه، عشان الأهالي لو عرفوا هينبذوه، ولكن ما لبث أن سره اتفضح، مع الحُزن والسواد اللي كانوا مغطيين ملامحه، فيخاف منه أهل القرية وينبذوه فعلًا.
ويُدخل بدران في دوّامة وصراع مع الطاعون اللي مكنش رحيم بيه ولا بأسرته، بعد ما فقد كُل شيء، غضب شديد جُواه ملاه، والسواد اللي في العالم بقى جُوة قلبه، وتمنّى لو أن كُل العالم يدفع تمن اللي حصله، فقرر أنه ينتقم.
فلَمّ حاجته وحزم أمتعته وقرر يطارد هو الطاعون ويقتله، وفعلًا رحل عن القرية وقصد القُرى اللي بعدها على أمل إنه يلتقي الطاعون ويسأله: “أنتَ عملت فيا أنا لوحدي كده ليه؟”.
بداية الرحلة
وبدأ الرحلة، يدخُل كُل قرية يسأل أهلها، فيقولوا إن الطاعون لسّة ماشي من هنا، وهكذا لحد ما وصل لقرية ملقاش فيها حد في الشارع نهائي والبيوت مقفولة، والثُوم مُعلّق على البيوت، أدرك إن دي قرية الطاعون حاليًا فيها،
فقرر يتجوّل فيها شوية لحد ما يقابله، أثناء ما كان ماشي في القرية الخاوية على عروشها دي لاحظ إن الغربان بتُحلق فوق بُقعة مُعينة فيها وصوتها مُزعج جدًا، فراح عند البُقعة دي مُسترشدًا بالغربان المُحلقة في السماء،
ولمّا راح عندها لقى راجل عجوز قاعد تحت شجرة لوحده، وباين عليه إنه طاعن في السن، في الأول افتكره ميّت ولكن لما تحرك شوية أيقن إنه لسّة حي، بس مكنش واخد باله تمامًا من بدران اللي أول ما شافه جري عليه.
حوار بين بدران والعجوز
قاله: “إيه اللي مقعدك هنا يا عم الشيخ؟ الطاعون موجود هنا ومُمكن يموتك في أي لحظة؟”،
رد عليه العجوز: “يا بُني إن الموت لا مفرّ منه أبدًا، هيجيلك وأنتَ نايم، ويجيلك وأنتَ في أعتي الخنادق، لا مهرب”.
بدران استغرب جدًا مدى استسلام الراجل ولكن كلامه منطقي، فقاله: “الطاعون قتل أسرتي كلها، أسرة كاملة وسابني أنا، ليه ياخدهم كُلهم ويسيبني أنا؟”،
الطمع وعدم الرضا
قاله العجُوز: “سمعت قبل كده حكاية الطاعون؟”،
رد بدران: “لأ”، قاله: “كان في مرة، راجل مسكين من أهل القُرى البسيطة هنا جنبنا، مليان غضب وناقم تمامًا عن حاله، ونفسه يخرج من عباءته ويزور كل مكان في الدُنيا، كان بيشتغل مُزارع على قد حاله،
يوم معاه فلوس، وعشرة لأ، بس المُشكلة إنه مكنش راضي، في قرارة نفسه من جُوة شايف إنه يستحق أكتر، بس مش واقعي، لأنه واقعيًا لا يستحق أكثر مما نال”.
انتقام الطاعون
بعدين بص العجوز لبدران وقال: “الحياة مش بتدي كُل واحد إلا اللي يستحقه من جُواه، مش اللي بيقوله ويُظهره للناس، في يوم زار قريته الوباء، وقتل مراته وبنته وابنه وأمه وسابه هو،
السواد اللي كان جُواه طلع، ورفضه للحياة اللي كانت بتاعته أصلًا بقى مُجرد حلم ضاع منه، وواقعه بعد ما كان جنة هو رفضها تحول لنار بتاكل فيه، من ساعتها وقرر الطاعُون إنه ينتقم”،
فرد بدران: “إزاي؟” فقاله: “بقى الطاعُون بنفسه اللي بينزل القُرى الصُغيرة ويعمل نفس اللي حصل فيه عن طريق تعويذة سحرية علمها له واحد من السحرة، فبقى يختار واحد من أهل القرية يُنزل عليه نفس العقاب في كُل مرة”.
فقال: “وإشمعنى أنا اللي اختارني؟”، رد العجوز وعينه بتلمع: “لأنكَ غاضب”. استغرب بدران وساب العجوز اللي فضل باصص على بدران بعينه اللي بتلمع ويراقبه وهو ماشي بعيد.
اللعنة تصيب بدران
في الليلة دي نام بدران تحت شجرة، ولما نام شاف في المنام، نفس الراجل العجوز ده بيقوله: “من النهاردة أنا هموت وأنتَ هتكون مكاني، هتكون طاعون، هتكون أشد فتكًا مني، وحكايته هتحكيها للي بعد منك وتسلمه”. فقال بدران: “إشمعنى أنا؟”،
قاله: “عشان أنتَ عملت زيي زمان، ومشيت ورايا ودوّرت عليا، لأن جُواك انتقام”.
لما صحي بدران من النوم لقى نفسه اتحول لراجل عجوز عنده سبعين سنة. والغربان بتُحلق فوق راسه.
بس كده..
طبعًا هُنا تكمُن فلسفة القصة في إن أحيانًا الغضب يُعميك عن إنك تشوف الحاجات الحلوة اللي حواليك، لأنك بتدور على صورة تانية للواقع راسمها في خيالك مش مُتسقة مع إمكاناتك، وبكده يعاقبك الواقع لأنك غير راضي عنه ومش بتحترم قوانينه، وخضعت لخيالك ووهمك التحقيق لا التحقُق.
اقرأ أيضاً:
طمع الإنسان مفيد أحيانًا.. لكن بشرط
الرضا عن الحياة (مفتاح للسعادة الشخصية)
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا