حرب الغاز
تنبأ المحللون السياسيون أنَّ حروب المستقبل ستكون على الماء، ونسوا أو تناسوا أن الغاز أيضا سيكون المصدر الرئيس من مصادر الطاقة، والذي سيكون الصراع عليه على أشده ليس بين الدول الكبار فقط، وإنما من جميع الدول الراغبة في التنمية، فالمستقبل سيكون للغاز كمصدر هام من مصادر الطاقة إما لقرب نضوب البترول الخام مع وفرة الغاز الطبيعي وإما لقرب استغناء الولايات المتحدة الأمريكية عن البترول الخام واستبداله بالزيت الصخري.
الولايات المتحدة الأمريكية تُسيطر على العالم ليس بالسيطرة على بحار العالم فقط وإنما بالسيطرة على أماكن تواجد البترول الخام حتى تعطي لمن تشاء وتمنع عمن تشاء، وهي تعرف جيدا أن الصين النهمة للبترول هي في حاجة مستمرة لا تتوقف له من أجل مصانعها؛ فهي تعتمد في تنميتها المتصاعدة على البترول فالصين تستهلك منه يوميا حوالي عشرة ملايين برميل.
قس في ذلك على بقية الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد في تنميتها على البترول، والتي لاهم لها وسط هذا الصراع إلا تأمين أماكن استيراد البترول لها دون تهديد بالانقطاع .
الصراع على الغاز
قديما منذ اكتشاف آبار البترول في الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية إلى يومنا هذا كان الصراع بين الدول على البترول الخام والسيطرة على أماكن تواجده، أما اليوم بدأ يظهر صراع من نوع آخر الصراع على الغاز كمصدر هام من مصادر الطاقة غير المتجددة، والذي يظهر أنه سيكون الملك المُتوج بدلا من البترول الخام وهذا الصراع بدأ يتكشف لنا في صور متعددة منها على سبيل المثال :-
روسيا والغاز
تُعد روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم؛ يكفي أن نعلم أن ثمانين بالمائة من استهلاك أوروبا من الغاز مصدره روسيا، ويمر الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا عبر السيل الشمالي وهو عبارة عن خطين من روسيا عبر بحر البلطيق ثم لأوروبا، وعبر الخط الأوكراني، ثم السيل الجنوبي يخرج الغاز فيه من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود ليدخل بلغاريا ورومانيا والتشيك ثم ألمانيا.
روسيا تفرض سيطرتها عالميًا عبر الفيتو والسلاح الذري والغاز الطبيعي هكذا كما يقول المحللون السياسيون المراقبون للصراع العالمي، وهذا الوضع لا يرضي الولايات المتحدة الأمريكية فكيف لروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي العدو التقليدي لأمريكا.
كيف لها أن تسيطر على حليفتها القارة الأوروبية العجوز؟ فكان لابد لأمريكا من التحرك فكان فكرة مشروع “نابوكو” المشروع الذي اقترحه “ديك تشيني” على الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” ليكون البديل عن الخط الروسي للغاز .
مشروع نابوكو
لمضايقة روسيا كانت الفكرة الأمريكية “نابوكو” لمد الغاز من آسيا الوسطى تركمنستان عبر بحر قزوين ثم أذربيجان ثم تركيا ثم بلغاريا ورومانيا والمجر ثم إلى أوروبا، واعتبرت روسيا أن هذا المشروع خطر على أمنها القومي فأثارت مشكلة قانونية فيما يخص بحر قزوين هل هو بحر أم بحيرة؟
حتى لا تستغل تركمانستان وأذربيجان بحر قزوين في مرور خطوطهما للغاز عبره لأوربا وبالتالي تفوت روسيا على أمريكا خطتها في استبدال خطوط الغاز الروسي لأوروبا بمشروع “ناباكو” المُسيطر عليه أمريكيا مما يخرج أوروبا من السيطرة الروسية فيما يخص إمدادات الغاز.
غاز شرق المتوسط
ظهور الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط يُمثل أيضًا تحديًا لروسيا، فأمريكا تريد توصيل خطوط الغاز عبر تركيا من هذه المنطقة لأوروبا، فشرق المتوسط قريب من أوروبا ليكون بديل عن خطوط الغاز الروسي لأوروبا، وهذه أيضًا من المحاولات الأمريكية للتضييق على روسيا وشكل من أشكال الصراع على الطاقة وكلمة السر فيه “الغاز الطبيعي” .
البوابة السورية
أحد البدائل أيضًا عن خطوط الغاز الروسية لأوروبا خطوط الغاز من المنطقة العربية قطر والسعودية “الربع الخالي”.
تمتد هذه الخطوط عبر الدولة السورية ثم عبر البحر الأبيض المتوسط وصولا لأوروبا.
الصراع العالمي دائمًا يكون على حساب مواردنا من البترول الخام والغاز الطبيعي وتشتعل نار الحروب والمنازعات وتُحبك المؤامرات وتتشكل السياسات طمعا في هذه الموارد الطبيعية الثمينة؛ حتى إن مسئول كبير من واضعي السياسات الأمريكية في حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش” الابن قال؛
لقد أخطأت الطبيعة في تواجد ثلثي الاحتياطي العالمي من مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط. وعلينا في منطقتنا أن نعلم أن هؤلاء الكبار لا يفكرون فينا ولا يحسبون لنا حساب في هذه الصراعات، ويجب أن تكون لنا حساباتنا الخاصة للمحافظة على هذه المصادر الطبيعية الثمينة وحتى لا نستيقظ يومًا ما من غفوتنا وقد جفَّت هذه الكنوز وقد استمتع الغير الأجنبي بها.