مقالات

الشاي يا مولاي

أحب العروسة، أقصد شاي العروسة، وحبي للشاي لا يخفى على أحد، يعرفه القريب والغريب والقاصي والداني، والصديق والعدو والرائح والغادي، فقد تحدث به الركبان وتغنت به الظباء والقيان، أشربه هكذا، خلوًا من أية إضافات يمكن أن تنال من نكهته أو تنقص من هيبته، مثل: النعناع، أو الحليب، أو الهيل، أو الزعفران، أو حتى شاي بالياسمين.

لا تكاد تمر عليّ ساعة من ليل أو لمحة من نهار حتى أحتسي منه القداح وأرتشف منه البراح، دأبي وديدني أفعل ذلك منذ زمن لا أكاد أتذكره، فلا أكتب إلا بمؤانسته، ولا أقرأ إلا بمصاحبته، ولا أهنأ إلا وهو خليلي، ولا انتعش إلا وهو نديمي، في الحل والترحال والقر والتجوال، لا أستعيض عنه بديلًا، ولا أجد عنه تحويلًا، أبذل في سبيله كل غال ونفيس، ولا أنشغل عنه بأخ أو ورئيس، رشفاته الساحرة تنسي الهموم، وثمالته تجلي الضباب والغيوم، لا إبداع إلا به ولا كتابة إلا منه، ولا قراءة إلا على نغماته ولا شعر إلا مع ثمالاته، سيما مع شمس الأصيل وليل الشتاء الطويل، وسهد الحبيب ومنادمة القريب.

بالأمس نفدت كمية الشاي التي لدي، فأرسلت في طلب كيلوجرامًا منه، يكون معي ردءًا يعينني وصاحبًا يزينني، أتبلغ به أيامي وأناجي به آلامي، فإذا بالبائع يطلب مني ضعف المبلغ الذي اشتريته به منذ شهر، فجن جنوني وطاش فكري، وراح لبي واضطرب قلبي، وكدت أن أهم به وأقتص منه، لولا بقية من عقل وأثارة من نفس، فأنقدته الأربعين جنيهًا حانقًا مغيظًا، وأخذت “الباكو”، وأنا أهمهم وأغمغم بكلام لا يبين، وبسباب للرجل غير مبين!

لذلك ومن موقفي هذا فإنني أحذر من زيادة أسعار الشاي، لأن هذا سيؤدي حتمًا وبلا ريب إلى صعوبة شرائه على المبدعين والكتاب، ومن ثم يحول دون إبداعهم وكتاباتهم؛ شعرًا ونثرًا!

والوقوف وبكل حزم وحسم ضد من يريد ضرب الإبداع في مقتل، أحدثكم الآن وأنا لا أدري هل سأكتب بعد هذا أم لا؟! والله الموفق والمستعان، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي الشاي قُلْتُ مِنَ الْوَافِرِ متحدثًا عن أهميته، ذاكرًا فوائده، معددًا فضائله:

أُحِبُّ الشَّايَ لَا أَبْغِي سِوَاهُ

وَأَرْفُضُ قَهْوَةً أَوْ خَنْدَرِيْسَا

وَأَبْعُدُ عَنْ قِدَاحِ الذُّلِّ دَوْمًا

وَآَخُذُ عِبْرَةً مِنْهَا دُرُوْسَا

إِذَا مَا الصَّحْبُ فِي طُرُقٍ لَقَوْنِي

وَأَغْرَوْنِي شَرَابًا أَوْ كُؤُوْسَا

فَلَسْتُ سِوَى احْتِسَاءِ الشَّايِ أَرْجُو

سَعِيْدًا كُنْتُ يَوْمًا أَوْ يَئُوْسَا

فَأَرْشُفُ مِنْهُ فِي أَوْقَاتِ سَعْدِي

فَيُجْلِي الرُّوْحَ مِنِّي وَالنُّفُوْسَا

فَأَنْظِمُ فِي خَيَالٍ مِنْ جَمَالٍ

عُقُوْدَ الشِّعْرِ مِنْهُ أَوْ شُمُوْسَا

فَوَائِدُهُ عَدِيْدٌ لَيْسَ تُحْصَى

تَغِيْبُ عَنِ الطَّبِيْبِ وَجَالِنُوْسَا

تَرَاهُ فِي الْمَوَائِدِ لَا يُبَارَى

إِذَا مَا كَانَ يُؤْمِنُ أَوْ مَجُوْسَا

كَذَلِكَ أَرْتَشِفْهُ بِلَا انْتِظَامٍ

إِذَا مَا كُنْتَ فِي وَقْتٍ عَبُوْسَا

إِذَا مَا جِئْتَ ضَيْفًا أَوْ خَلِيْلًا

وَجَدْتَ الشَّايَ يَحْلُوْ وَالْجُلُوْسَا

تَرَانِي أَحْتَسِي الْأَقْدَاحَ تَتْرَى

إِذَا مَا رُمْتُ حُبًّا أَوْ عَرُوْسَا

فَدَأْبِي دَيْدَنِي فِي كُلِّ وَقْتٍ

إِلَى أَنْ تَتْرُكَ النَّفْسُ الرُّؤُسَا

فَلَا تَشْرَبْهُ مُنْفَرِدًا حَزِيْنًا

بَلِ اطْلُبْ فِيْهَ ذَا مَرَحٍ جَلِيْسَا

وَجَدْتُ الشَّايَ أَنْوَاعًا تَوَالَى

وَنَشْرَبُ إِنْ شَرِبْنَا الشَّايَ (لِبْتُن)

وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا شَايَ (الْعَرُوْسَة)

مقالات ذات صلة:

طبق بيض

الغلاء والذنوب

نظرية الأحمق الأعظم!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب