قضايا شبابية - مقالاتمقالات

ثقافة التغيير بين النظرة السطحية والنظرة العقلانية – الجزء الأول

“يجب علينا اليوم أن ننظر إلى التغيير لحياة أفضل نظرة أكثر موضوعية وأن نتخلص من تلك الافكار الغير واقعية حول إمكانية وطبيعة التغيير المنشود في حياتنا” .

النظرة السطحية هي تلك النظرة للمسائل المهمة، حيث يكتفي أصحاب تلك النظرة بالقليل من المعلومات البسيطة حول الموضوعات المختلفة، وتقديم معالجات وحلول بسيطة، كذلك لا نجد في النظرة السطحية التساؤل عن “لماذا؟” و”كيف؟”

السطحية هي استقبال الكلام من أفواه الناس دون تدبر وتفكير والاعتماد على ما يشاع في الرأي العام الجمعي في المجتمعات والذي يعتمد غالبا على الاستنتاج الفارغ من الأدلة .

تلك النظرة  لا تقتصر على محدودي الثقافة أو غير المتعلمين، بل للأسف الشديد قد يتبنى المثقفون والنخب الفكرية هذا النمط  للقضايا المهمة .

إشاعة تلك النظرة مرتبط بعدة عوامل مشتركة أو منفصلة، حيث نجد أن النظرة السطحية سهلة ومقبولة عند غالبية الناس بالمقارنة بالنظرة الدقيقة العميقة والتي قد تتصف بشيء من التعقيد والغموض أحيانا، كذلك تنسجم النظرة السطحية مع أهواء قطاع كبير من الناس ودوما ما يظهر من ينتفعون من شيوع تلك الرؤية وبطبيعة الحال يقومون بالترويج لها  والتأكيد عليها دوما.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خطورة النظرة السطحية وعلاقتها بالتغيير

ولا ننكر أن تلك النظرة  قد تحوي الكثير من المعارف الصحيحة في طياتها لكن المشكلة لو تناول الإنسان جزء من الكلمات الصحيحة ولكنه لا يمتلك تحليلا دقيقا وتصوراً كاملا عن تلك الحقيقة فأنه حتما سيتعرض للفهم الخاطئ ويقع أسير تلك النظرة السطحية.

وتعد تلك النظرة مقدمة لتهيئة أرضية مناسبة للتحريف وقلب الحقائق والانحراف بها عن المسار الصحيح، ويظهر ذلك في العديد من اراء بعض الناس حول موضوعات معينة فنجد على سبيل المثال أن بعض الاسر تضغط على أبنائها للتسريع بالزواج دون تدقيق حول أخلاق الطرف الاخر وطبيعية سلوكه مفسرين ذلك بالخوف من العنوسة.

وعلى نفس المنوال عندما تقترن تلك النظرة بموضوع حيوي في حياتنا كتغيير السلبيات يكون الامر خطير لدرجة أنه قد يجعلنا نفقد الثقة في امكانية التغيير والتغلب على الصعوبات، فالكثير من الناس نتيجة الفهم الخاطئ ينظر للتغيير بأنه أمر رهين الصدفة ولا دخل لنا في العمل على تحققه،

وأننا لا نحتاج أن نمهد الطريق لإحداث التغيير المطلوب، وأقل ما يمكن أن تسببه تلك النظرة من ضرر هي أنها لا تحدد وظيفة كلا منا في عملية التغيير المنشودة ومسؤوليتنا في التمهيد لها.

إن رغبة الكثير في احداث تغيير إيجابي لهو أمر جيد في حد ذاته لكن بدلا من الانتفاع بهذه الرغبة، فنجد أن الفهم الغير واضح لتلك العملية يتسبب في وقوع الكثير من الاخطاء التي بدروها تؤجل عملية التغيير.

فالشخص الذي يرغب في تغيير صفات معينة مثل اتصافه بالكذب أو قلة الصبر، فإن لم يدرك أن تغيير تلك الصفات يحتاج لفهم جيد لمدى قبحها، وأن يمتلك الرغبة الحقيقية من  التخلص من تلك الصفات  السيئة يدرك في نفس الوقت حسن الصدق والصبر ومدى ايجابية التحلي بهما على المستوي الشخصي وفي المعاملات العامة، وبعد هذا الادراك يحدث الاشتياق لهذه الملكات ( الصدق والصبر) والعمل التدريجي لامتلاكهما، ومحاسبه نفسه إذا قصرت مرة أخرى.

العامل الحقيقي مرتبط بنا نحن

بغياب هذا الفهم الواضح يكون التغيير غاية في الصعوبة، لذلك نجد الكثير يتبنى النظرة السطحية لعدم رغبتهم في تحمل تلك المسؤولية المبنية على الفهم والعمل معا بوعي وبصيرة وصبر.

يظن البعض أن التغيير قد يحدث خارج إطار السنن والقوانين الموجودة في عالمنا والتي ارتكز عليها تاريخ البشرية، تلك القوانين والسنن لم تتغير ابدا، فلم نجد تغيير تم إلا وقد سبقه معرفة وعمل وصبر وتحمل ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

فلو كان التغيير يتم خارج تلك القواعد والسنن سينتفي الدور المتعلق بوعي الناس وإرادتهم الحرة في الاختيار وكان احداث التغيير أمر اجباري لا دخل للناس في احداثه ، وهذا لم ولن يحدث في عالم تحكمه قواعد واضحة.

إن تلك الرؤية السطحية هي مدعاة للتخلي عن المسؤولية التي يجب أن يتحملها كلا منا وكأن البشر ليس لهم أي دور في رسم الخطوط التي تحدد مسار حياتهم وأن التغيير سيحدث بمعزل عن تحمل المسؤولية في إحداث عملية التغيير.

إن من الخطأ الاعتقاد بأن مسببات التغيير ليس بأيدينا وأنها خارجة عن أرادتنا الحرة وأن العوامل الخارجية هي فقط من تتحكم في عملية التغيير، صحيح أن العوامل الخارجية والظروف لها دخل قد يكون كبير أو صغير إلا أن العامل الحقيقي مرتبط بنا نحن في التعامل مع تلك الظروف الخارجية والتغلب عليها وايجاد البدائل المناسبة .

التغيير وفق السنن والقوانين ثابت لا يتغير

وهنا يجب الالتفات إلى نقطة هامة أن التغيير وفق السنن والقوانين ثابت لا يتغير بتغير الظروف الامكنة أو حتى الموضوعات، كل الامر متعلق بفهم تلك السنن والعمل وفقها مع مراعاه ظروف الزمان والمكان.

إن تلك الرؤية السطحية  قد أفسدت عقول الكثير من النخب الفكرية فما بالنا بباقي الناس، فمعرفة الخلل مطلوب لكنه لا يكفي بل لابد من الادراك الحقيقي لمسبباته ومعرفة سبل التغلب عليه لإتمام عملية التغيير، حيث أن الكثير من المشكلات لا يعرفها عامة الناس من قبيل مسؤولية الفرد نفسه وتحمله تبعات التغيير وعدم القاء المسؤولية واللوم على غيرة كل تلك الامور تحتاج لبصيرة وتحليل عميق عبر تنمية الفهم والتحليل، وبعد تلك المرحلة يجب تشخيص التغيير المطلوب على وجه الدقة فالتغيير الحقيقي يستلزم الشمول والدوام حتى يحقق النتائج المطلوبة.

وهنا يجب أدراك أن التغيير قد يستلزم فقدان بعض من المنافع الشخصية والتخلي عنها حيث يجب الاستعداد لمتطلبات التغيير وتقبل النتائج التي سيحققها سواء على المستوى الفرد أو المجتمعي، فإن التغيير الحقيقي لا يعتمد على الامواج العابرة التي تمر في المجتمعات أو الحالات الانفعالية التي يمر بها الفرد فهذا ايضا من الرؤية السطحية،

من أراد تغيير صفاته السلبية سوء الكذب أو غيرها من الصفات والسلوكيات يجب أن يعلم هذا التغيير يقتضي التخلي عن بعض الراحة الزائفة والتدقيق أكثر في مراقبة النفس وضبطها حتي يصل للنتيجة المرغوب فيها، كذلك من يرغب في تأسيس حياة زوجية سعيدة يجب أن واجه تلك الأفكار الشائعة والسطحية عن الزواج.

في الختام حيث يجب على الفرد أن يهيئ الارضية المناسبة والظروف التي تساعده على البدء في تلك العملية

وسنعرض في المقال القادم الرؤية العقلانية لعملية التغيير الصحيحة.

اقرأ أيضاً:

التغيير سنة الكون

هل فكرت يوماً أن تغير العالم؟

العادة بين الترغيب والترهيب

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا