مقالات

التغيير سنة الكون

“شيء غريب” قالها صديقي الذي لم يرني منذ عشرين عاما، فقلت له: “ماذا؟” فرد مستغربا: “لقد تغيرت كثيرا يا محمد، لم تعد أنت نفس الشخص الذي كنت أعرفه!” يقول ذلك، وسيما الاندهاش تبدو على وجهه، وعلامات التعجب ترتسم على محياه!

صراحة لم أجهد نفسي كثيرا في مناقشته، ولم أتعب روحي في مجادلته، لقد قالها وانصرف، وخيرا فعل، لقد بدا لي أن بعض الناس تتخيل أنها تتعامل مع بعضها البعض، وكأنهم حجارة صماء، لا تتأثر بما حولها من أحداث الدهر، وتقلبات الأيام، وعوارض الزمن، رباه!!

حتى الحجارة يجري عليها سمة التغيير وسنة التأثر، ألم يقل ربنا تعالى في كتابه: “وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ”. ولعمري كيف يطالبني هذا الزميل أن أظل بفكري وعقلي وكينونتي لا أتغير رغم مرور عشرين عاما، تغير فيها العالم وتبدل فيها الكون، وانتهت إمبراطوريات وقامت أخرى، وإني لأتساءل ألم يتغير هو؟! وإن لم يحدث فهو وشأنه!!

من سنن التغيير

إن التغيير غدا سمة ملازمة للكائنات الحية، فكل ما هو حي تطاله سنن التغيير، وديناميكية التحول، وآلة الزمن التي لا ترحم أحدا، ومن ثم فمن البدهي أن يتغير الإنسان، وأن تتبدل أحواله، نظرا لأنه يعيش في عالم مواز من التغيرات والتحديات، ناهيك عن تطور طبيعي لهذا الإنسان، وفقا لقراءاته وثقافاته ومطالعاته، وما يحدث في عقله، واختلاف نظرته إلى الأشياء، ومن ثم فلن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يجري حوله، ومن ثم تراه دائم التغيير والتطور في كل شيء، حتى القناعات، نعم حتى في قناعاته، إلا فيما يخص إيمانه بالثوابت المتعلقة بالله، والإيمان بالغيبيات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما الأمور الاجتماعية والسياسية والأيدولوجية والثقافية فكل ذلك مطروح باستفاضة على مائدة التغيير، فما يراه اليوم على صواب، قد يكتشف غدا أنه على خطأ، وما يراه حلالا قد يعرف غدا أنه حرام، فالإنسان الصحيح نفسيا عليه دائما وأبدا أن يضع الأشياء موضع المساءلة، وهو أيضا يحاول بين الحين والآخر محاورة ذاته، واختبار قناعاته ومدى ملاءمتها ومعرفة صلاحيتها مع مرور الزمن وتغير الحدثان، هو دائم وأبدا دائم البحث والاطلاع، والمحاورة، والقراءة، والمثاقفة،

هو دائم المراجعة لكل شيء داخله، فهو على يقين ثابت أنه يحاول ويحاول، وسيكتشف أنه في كل مرحلة عمرية أو ثقافية أو دراسية سيجد نفسه أكثر نضجا وأقل راديكالية، هو دائما وأبدا على يقين ثابت أنه يحاول ويسير على الطريق، وأنه يسعى للأفضل، والأنضج، والأحسن، وهو على يقين أنه لا يمتلك الحقيقة المطلقة، بل هو يجتهد ويتغير ويتبدل، ويدرك جيدا أن الإنسان لا ينزل نهر الحياة مرتين، فما بالك بمن يستحم فيه ليل نهار!!

اقرأ أيضاً:

التغيير الحقيقي من أين يبدأ 

هل فكرت يوماً أن تغير العالم؟

انطلق نحو الآفاق

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب

مقالات ذات صلة