مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

تضحيات نسائية خالدة

سطَّر لنا التاريخ في صفحاته أسماء عديدة للنساء اللواتي كان لهنّ العديد من الأعمال والإنجازات، فأصبحن بها قدوة لغيرهنّ على مَرّ الزمان، حيث لم تكن الأسماء الخالدة حِكرا على الرجال، فمنهن من ذُكر في العديد من الكتابات والمقالات والمواقع المتنوعة، و منهن لم يذكرهن أحد، وفي هذا المقال سوف نوضح باختصار نماذج منهن خاصة المصريات اللاتي يتميزن بالشهامة والتضحية والتفاني:

أ- ضحت بالزواج من أجل أشقائها:

– في يوم ما جاءت إحدى طالباتي متسائلة عن حل لمشكلة لديها، فرحبت بها مستفسرا عن المشكلة، فذكرت أن أبويها متوفيان رحمهما الله، ولديها شقيقان أصغر منها لا يتعدى عمر الأكبر منهما 8 سنوات، وهي مخطوبة لأحد الشباب منذ مدة ليست بالقصيرة، وذكرت أن المشكلة تكمن في أن خطيبها يريد إتمام الزواج والزفاف في أسرع وقت ممكن لأنه أصبح جاهزا ومستعدا،

فذكرت لها أن هذا خير وليس مشكلة، فذكرت أن المشكلة أن أشقاءها صغار ولا يوجد من يقوم على رعايتهم غيرها، وإن هي تزوجت وتركتهم من سيقوم برعايتهم، فتساءلت: “ألا يوجد أحد من الأهل والأقارب يقوم على رعايتهم وتربيتهم؟”، قالت: “لا أحد سوف يقوم برعايتهم غيري لأن كل إنسان لديه مشاغله واهتمامه”،

فقلت لها: “ما موقف خطيبك من هذا الأمر؟”، قالت: “هو مستعد أن يتكفل بهم معي، وأن نقوم على رعايتهم سويا وسوف يعتبرهم بمثابة أولاده”، فأكدت لها إن هذا حل جيد طالما لديه استعداد لهذا ما المشكلة إذا؟ ذكرت أنها تخاف أن يتغير حاله معهم بعد الزواج وأن يمل من رعايتهم، وأن يأتي عليها يوم يخيرها بينه وبينهم، وهذا سوف يصعب الأمر ولن يساهم في حله،

فأكدت لها أن هناك مؤسسات عديدة لرعاية الأيتام من الممكن أن تلحقيهم بها إذا، وهنا قالت لي هذه البنت مقولة لا تزال تتردد في أذني من وقت لآخر وهي: “مايهونوش عليا يادكتور، إزاى أوديهم دار لرعاية الأيتام وبيت أبوهم موجود؟ عمري ما أقدر أعمل كده، أنا قررت أبلغ خطيبي اعتذاري إنى مش هقدر أكمل معاه، لأني مش هقدر أسيب إخواتي في السن دا، وأعيش أنا حياتي وأتركهم للتشرد والضياع!”، وبالفعل بعد فترة وجيزة قابلتني وأبلغتني أنها بالفعل انفصلت عن خطيبها لتتفرغ لتربية ورعاية أشقائها، لأنها متأكدة أن الله سوف يعوضها خيرا إن شاء الله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ب- ضحت من أجل زوجها:  

حملته أمه في بطنها 9 أشهر، لكن زوجته حملته على ظهرها سنوات، مشهد يكسر المعتاد والمألوف في العلاقة بين زوجين، سيدة تحمل زوجها المريض على ظهرها من المرج الجديدة إلى أحد مراكز غسيل الكلى بحلمية الزيتون، رغم مرضها، تعجز أمامها كل أوصاف الحب التي سطرتها القصص الكبرى، إذ لم تكتفِ هبة رجب بأن تلعب دور الزوجة،

بل أضافت إليه دور «أم» لزوجها المريض، بكل رضا ومحبة، وذكر زوجها بأنه كان يعمل سائق سيارة وأصيب بفشل كلوى، ((وبعد الإصابة ما بقتش أقدر أعمل حاجة، والغسيل بيتعبني ومراتي شالتني واتبهدلت معايا كتير وعرضت عليها أطلقها عشان البهدلة، لكن هي رفضت وقالت لي: “أنا معاك وهفضل أشيلك لحد ما عمري يخلص”)).

ج- ضحت من أجل أبنائها من ذوى الاحتياجات الخاصة:

– روحية محفوظ حبيب بإحدى قرى محافظة المنوفية، سيدة بألف رجل وألف سيدة رغم ضعف بنيتها وقلة حيلتها وكبر سنها، ظلت تعافر ممسكة الفأس بيد واليد الأخرى ترعى بها 3 معاقين، طيلة 41 عامًا عمر من الشقاء والعناء، تركها زوجها منذ 27 عامًا وتخلى عنها وترك لها مسؤولية الأبناء المعاقين، وتخلى عنها ولا تعلم عنه شيئا حتى يومنا هذا.

في منزل صغير من الطوب اللّبن وحجرة واحدة وغرفة أقل من متر تعد فيها الطعام، وفناء يتسع لخمسة أشخاص به حوض من الأسمنت لصنبور من المياه، هذا كل ما تملكه ملاك الرحمة دون أي أجهزة، كل شيء في حياتها بدائي، وبالرغم من هذا لم تطلب مساعدة يومًا من أحد، ظلت صامدة حتى لا تخضع واستغنت عن كل شيء، كل همها فقط أن يأتي عليها المساء تغلق عليها بابها في ستر وأمان من الله.

روحية تعيش بإحدى قرى المنوفية (61 سنة) قضتها في رعاية 4 أبناء، ثلاثة منهم أطفال من الأربعين إلى 27 عاما وولد واحد فقط معافى، وظلت تكافح حتى أكمل تعليمه وأصبح مهندسًا، أما الثلاثة الآخرون فهم بيدها أينما ذهبت سواء إلى الحقل أو قضاء مستلزماتها.

تقول السيدة روحية إنها قضت عمرها في خدمة أبنائها ودائمًا ما ينتابها الخوف عليهم: “ربنا يجعل يومهم قبل يومي علشان ميتبهدلوش وميلاقوش حد يرعاهم ويأكّلهم”، لافتة إلى أنها دائمًا ما تحمد الله برغم كل شيء ولا تتمنى إلاّ أن يحفظ لها ولدها الوحيد المعافى.

كما أن الأم روحية تصحو كل فجر للصلاة تعد الإفطار وتطعم أولادها وتقوم بتغير ملابسهم وعمل ما يلزم لهم لأنهم كبار بتصرفات الأطفال الصغار، وتأخذهم معها إلى الحقل يجلسون معها حتى تتم أعمالها وترجع بهم إلى المنزل لتعد وجبة الغداء.

اقرأ أيضاً:

تضحية لأجل الولدين و الأبناء

من لا يؤمن بشيء .. ولا يضحي بشيء

تحنان إلى الأمومة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ.م.د / السيد منصور الشاعر

أستاذ خدمة الفرد المساعد بالمعهد العالى للخدمة الإجتماعية بالقاهرة