تساؤلات للعقل الملحد.. فهل من مجيب؟! – الجزء الثالث
لا مراء أن ما يسبق الوجود المادي المحيط بنا –من وجهة نظر أي ملحد– هو العدم، فلا يعقل أن تكون المادة القاصرة والمنفعلة، بطبيعتها، بغيرها خلقت نفسها. وإذا ما افترضنا جدلا أن قوة ما أوجدت المادة دون أن تتدخل بعد الإيجاد في شأن هذه المادة فإن هذه المادة حينها إما أن تتكون من كتلة واحدة (سواء مصمتة أو بها فراغ)، أو تتكون من عدة كتل مادية متجاورة.
وفي كل الحالات سواء أكانت المادة كتلة واحدة أو عدة كتل فإنها إما توجد ساكنة أو متحركة. وإذا ما وجدت ساكنة فستظل على حالها من حيث الحجم والمكان والكيفية دون تغير إلى ما لا نهاية. وهو ما يعني أنها لن تستطيع أن تشكل من الكون الذي نعيشقنبلة فيه شيئا.
أما إذا وجدت متحركة فإن هذه الحركة ستكون عشوائية طالما كانت هذه الحركة لا تهتدي بوعي يحدد مقدار واتجاه وعلة هذه الحركة. وأثر مثل هذه الحركة العمياء على المادة سيتوقف على مدى صلابتها.. فإذا كانت المادة كتلة واحدة أو عدة كتل صلبة، فمهما كانت شدة الحركة التي تتحركها ومهما طال زمانها، فلن تغير الحركة من وضعيتها وصفاتها وتماسكها شيئا، أما إن كان بها ضعف معين على نحو يجعل الحركة تؤثر فيها فإن هذا يعني أنها ستتفكك إلى كتل أصغر لا حصر لها.
ولما كان وجود القوة الواعية المهيمنة أمرا مستبعدا لدى أصحاب النظرة المادية للكون فإن حركة المادة (سواء أكانت كتلة واحدة أو أكثر) ستكون حركة عشوائية حتما، وهذه الحركة العشوائية سوف تتخذ احتمالين رئيسين:
الاحتمال الأول:
إما أن تتحرك هذه الكتل في حيز مكاني محدد (لا يمكن أن تخرج المادة عن نطاقة) وهو ما يعني أن هذه الحركة مهما كانت سرعتها ضئيلة –ولكونها تتم عبر زمن مديد– فمن الطبيعي أن تصطدم الكتل المتحركة من هذه المادة ببعضها البعض، طالما تتحرك في حيز محدد وبشكل عشوائي، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الاصطدام الذي يحدث بشكل لا نهائي إلى أن يفتت بعضها بعضا إلى كتل أصغر، ومع مزيد من الحركة ومرور مزيد من الزمن ومزيد من التصادم سوف تسحق الكتل الكبيرة الكتل الأصغر منها وتسحق الكتل القوية والصلبة ما هو أضعف منها أو أقل صلابة،
وهذا ما يعني –حتما– أن تتفتت هذه الكتل إلى أصغر عنصر من عناصرها، وبمرور الزمن ومع عدم وجود أية إمكانية لتفادي هذه الحركة العشوائية سوف تسحق الكتل المادية بعضها بعضا ويصبح الكون المادي –ولكون هذه التفاعلات تتم منذ زمن سحيق– مسحوقا من أجسام دون ذرية وهي تلك التي تشكل أصغر وحدة غير قابلة للانقسام أو التفتت من المادة.
إن تحقق هذه الاحتمالية يعني أن وضعية الكون سوف تكون ومنذ زمن بعيد سديما هائلا من الأجسام دون الذرية.
الاحتمال الثاني:
هو أن تتم حركة هذه الكتل المادية دونما حيز يحكم حركتها، وهنا ستنتهي هذه الحركة بأن تتحرك كل كتلة من هذه الكتل –مهما كان عددها– في اتجاه ما على نحو يجعل فرصة التصادم بينها أمرا نادر الحدوث، لأن الحركة هنا ستكون أشبه بحركة الانفجار الذي يحدث لقنبلة ما، وكيف أن كل شظية من شظايا هذه القنبلة ستتحرك في اتجاه مغاير لاتجاه غيرها من الشظايا، وهو ما يعني تشتت تلك الكتل المادية في أرجاء الكون.
وهكذا، ففي الاحتمال الأول لن يكون لدينا كون وإنما غبار كوني يسحق بعضه بعضا، وفي الاحتمال الثاني لن يكون لدينا إلا كتل مادية تتباعد وبشكل لا نهائي عن بعضها البعض في الفراغ المطلق، وهو ما يعني في الحالتين استحالة أن تمنحنا المادة ذات الحركة العمياء مهما كان مصدر هذه الحركة، ومهما كان حجم هذه المادة،
أي مظهر أو أية صفة من صفات الكون الذي نقطن الآن في نقطة ضئيلة منه تسمى الأرض، والتي تحكم حركة كل أشكال المادة عليها، وتحكم حركتها ضمن المجموعة الشمسية التي تنتمي إليها وتحكم حركة هذه المجموعة بالمجرة التي تنتمي إليها، بل وتحكم حركة المجرات كلها قوانين دقيقة لم تتخلف منذ أن أخذ الكون شكله هذا الذي نراه عليه.
تساؤلات لعلماء الإلحاد
وهكذا ففي كلا الاحتمالين لن يكون لدينا من الكون المادي الذي نعيش فيه شيء، وفي ضوء تلك النتائج البديهية فلنسأل كبار علماء الإلحاد تساؤلات أربعة رئيسة علهم يقدموا لنا إجابات شافية عليها ما دام ديدنهم استبعاد وجود قوة واعية عليا هي التي خلقت مادة الكون وهي التي تهيمن على حركتها عنها، ألا وهي:
- التساؤل الأول: هل وجدت مادة الكون من عدم؟!
- التساؤل الثاني: حتى لو افترضنا جدلا وجودها من عدم، من ذا الذي حركها من سكون كما نراها من حولنا؟!
- التساؤل الثالث: إذا كانت الإجابة.. هي التي تحرك نفسها، سيثور لدينا هنا تساؤل حتمي ألا وهو: هل يعقل لشيء لا وعي له أن يتحرك حركة واعية ومنتظمة؟
- التساؤل الرابع: إذا كانت الإجابة الحتمية هي لا، سيثور لدينا تساؤل حتمي هو من ذا الذي جعل مجرات الكون ومنذ مليارات السنين تسير دونما تصادم أو انفصام؟
هل ثمة إجابة يمكن طرحها سوى أن الذي شكل من مادة الكون مليارات المجرات السابحة في ربوعه، ومنذ مليارات السنين دونما تصادم أو انفصام، هي قوة عليا ذات حكمة عليّة وذات قوة وإرادة قاهرة؟ وهل يمكن أن نصف أية إجابة دون ذلك إلا أنها ضرب من الخبل العقلي المطبق؟
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا