مقالات

نفسية الهبوط

في الأيام الأخيرة شاهدت فيلمين أمريكيين حققا نجاحًا كبيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، فيلم المصارع الجزء الثاني (Gladiator II) وفيلم (Megalopolis).

كل من الفيلمين يقدم الفكرة المحورية نفسها، مقارنة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم بمراحل هبوط الدولة الرومانية وانهيارها في القرن الرابع والخامس الميلادي.

انهيار الحلم الأمريكي

مقارنة أن الانهيار يكون بسبب فساد السياسيين وعلاقة المال بالسياسة، وانهيار ما يسمى الحلم الأمريكي، وحياة ملايين الأمريكيين (أو الرومان) في حياة بائسة بسبب الجري وراء وهم اسمه الحلم الأمريكي، واستغلال الأقلية من أصحاب السلطة لهم!

يعرض خطايا الإمبراطورية الأمريكية أو الرومانية وظلمها، ليس فقط لشعبها لكن للشعوب الأخرى التي تتعرض للغزو والقتل والمذابح بالسلاح والجيش الأمريكي، أو الروماني.

كل من الفيلمين يعرض روحًا عامة منتشرة في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية اليوم، وهي ما يسمى نفسية الهبوط والانهيار، أن الجميع يرى أن المستقبل يحمل الأسوأ والماضي كان أفضل! حسرة على الماضي، وشك وتخوف وفقدان الأمل في المستقبل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لو قمنا بمقارنة هذه الروح والنفسية بنفسية الغرب والولايات المتحدة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، سنجد فرقًا شاسعًا، في الشعوب هناك حالة نفسية للصعود، وحالة نفسية للهبوط.

هي عقيدة في عقل هذا الشعب، وأفكار تتحول إلى ثقة بالنفس وأفعال، والأفعال تغير الواقع سواء في صورة إبداع أو إنتاج أكثر أو أكثر إتقانًا في كل مهنة، أو شعور بالأهمية واحترام الذات، يجعل التعاون بين أفراد الشعب أكثر واتحادهم أمام الآخرين أقوى.

عندما تظهر عقيدة الهبوط ونفسيته، يشعر كل شخص أنه لا أمل في الغد، وعليه أن ينجو بنفسه، وتنتشر عقيدة “يلا نفسي، وألحق أكسب ما أستطيع قبل الانهيار”، وعدم ثقة الناس ببعضهم، وشعور بالدونية والهوان والضعف.

اقرأ أيضاً: أكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ البشرية

نظرية القدر الواضح

مثلًا في القرن التاسع عشر، بالتحديد سنة 1845، ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية لفظ: المصير الواضح (Manifest destiny)، ظهر بعد انتصار الولايات المتحدة على المكسيك في حرب سريعة نتج عنها احتلال تكساس وكاليفورنيا والتوسع نحو الغرب.

هذه العقيدة انتشرت بشدة بين الأمريكيين، أن الله يعدهم شعبًا مميزًا ولهم مصير مميز من التوسع والسيطرة على العالم، وأن واجبهم أن يوسعوا ويسيطروا على العالم وينشروا الفكر الأمريكي والسيطرة الأمريكية.

هذه العقيدة (Manifest destiny) نُشرت في عقول الشعب الأمريكي، وتحدث عنها كثير من الرؤساء الأمريكيين، وزُرعت في الإعلام الأمريكي حتى عهد قريب.

هذه العقيدة جعلت الأمريكي يشعر أنه مميز وصاحب مهمة، ويقوم بالتوسع في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا، ويخترع ويتعاون مع زميله الأمريكي في سبيل قوة هذا البلد.

الولايات المتحدة على أبواب التفكك

هذه العقيدة اليوم نراها تنهار، تنهار بالتحديد منذ نحو 20 سنة، مع هزائم الحرب في العراق وأفغانستان وعبثية ما يسمى محاربة التطرف والإرهاب، وأزمات 2008 الاقتصادية، وتصاعد الانتهازية السياسية وسيطرة المال وترامب وإيلون ماسك وغيره من الظلم والفساد وتبديد الموارد والأموال.

هذه العقيدة أو النفسية؛ نفسية الصعود، هي نفسها النفسية التي حققها المسلمون في عصور النهضة، منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى منتصف الدولة العباسية، العقيدة أن لديهم رسالة عظيمة عليهم أن ينشروها في العالم كله. هذه العقيدة هي التي حولت مجموعة من القبائل البدوية إلى أمة عظيمة تحكم العالم لمدة ألف عام.

حين تراجعت هذه العقيدة في القرن الثامن عشر في أواخر عصر ضعف الدولة العثمانية، انتشرت الانتهازية ومكائد السياسيين والتجار، والكل يرى السفينة ستغرق، فيحاول الخروج بأكبر مكاسب شخصية قبل الغرق، بدلًا من التعاون مع إخوته وشعبه في النهضة والإصلاح والتوسع والانتشار.

اقرأ أيضاً: هكذا تغير شكل الحلم الأمريكي

مصير إسرائيل

إسرائيل أيضًا حاولت أن تركب الموجة، بعد انتصارات 1948 و1967، قال الإسرائيليون لأنفسهم أنهم أمة مميزة، والله يساعدهم، وأقنعوا الولايات المتحدة الأمريكية بذلك وبأنهما لهما مصير مشابه، المصير الواضح (Manifest destiny).

لكن دخول إسرائيل في أطول حرب في تاريخها؛ حرب غزة وما بعدها، كشف هذه الخرافة، وبدأ الإسرائيليون تتغير لديهم هذه النفسية من نفسية الصعود إلى نفسية الهبوط.

أصبحوا على يقين من أن النهاية قادمة وقريبة لا محالة، والمسألة مسألة وقت قبل أن تنهار إسرائيل، وتغرق في بحر كبير من كراهية العرب وحقدهم الحاملين للثأر.

هذا سبب العنف الشديد اليوم من حكام هذا الكيان المجنون المتطرف العنصري، عنف من يصارع الموت ويرمي الكروت المتبقية لديه كلها.

اقرأ أيضاً: لدي حُلم!

الخلاصة

الشعوب تمر بحالة نفسية، نفسية الصعود ونفسية الهبوط. اليوم نرى الشعوب الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تعيش في نفسية الهبوط واليقين أن غدًا أسوأ!

نفسية الهبوط تجعل الناس أنانيين يحاولون الفوز بأكبر قدر من المكاسب الشخصية قصيرة المدى على حساب الآخرين وحساب المجتمع والأمة.

للأسف حتى اليوم لا نرى في العالم نفسية الصعود إلا في الصين والهند، ونتمنى أن نرى هذه النفسية قريبًا في العالم الإسلامي.

عقلية أننا أمة متميزة صاحبة رسالة وعلينا التعاون في نشر هذه الرسالة وتحقيقها في العالم كله.

عقلية تظهر في الأفعال والحالة النفسية للناس في الشارع والأفكار في العقول، وليس في تصريحات السياسيين المتشنجة وأغاني المنافقين وصراخهم المصطنع.

إنه ما نسميه نحن المسلمون المؤمنون، الأخذ بالأسباب مع اليقين في نصر الله ولو بعد حين.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس