إذا كانت الحكمة –في التحليل الأخير– إمساكًا بحقائق الأشياء، فإن هذا الإمساك يقتضي المرء منا أن يتجاوز ظاهر الشيء الذي ينظر فيه إلى باطنه، إذ إن بين الجانبَيْنِ صلةً وُثقَى تَجعل الاستغناء بالظاهر عن الباطن وقوفًا مذمومًا عند ظاهر الأشياء، وفي المقابل يكونُ الاستغناء بالباطن عن الظاهر إلغازًا مُحرجًا لاستدلالية منطق العقل.
إنَّ هذا التجاوز لظاهر الشيء الذي ينظر المرء فيه وصولًا إلى باطنه، هو الذي يرفع الشيء المنظور فيه من محض واقعة مادية أو شيء ملموس إلى كونه آية.
إن ما يميز النظر إلى الشيء بوصفه آية أن هذا النظر يعُد المنظور فيه ذا بُعْدينِ: الأول جلي عباري، والثاني خفي إشاري، فالآية هي كل شيء يزدوج ظاهر وجوده بباطنه، فيُسلم ظاهرها إلى باطنها، ويسند باطنُها ظاهرَها، إن الوعي بهذه الصلة بين الجانبينِ في الأشياء التي ننظر فيها، هو الذي يجعل هذه الأشياء تبدو آيات أكثر منها محض ظاهرات.
إذا كان لفظ الآية يدل في اللغة على العلامة، والعلامة هي المنصوبة للدلالة على وجود شيء، هي أمارة عليه، فإنَّ مقاربة الوجه بوصفه آية، لَهِي بالأساس سعي إلى إبراز هذه الصلة الوثقى بين الوجه بوصفه ظاهرًا جليًّا قد توزع في: لحم، وعين، وأنف، وفمٍ، وخدٍّ، وجبهة، قد نُصب هذا الظاهرُ دليلًا على باطنٍ خفيٍّ تمثّل في رُوحٍ وقلبٍ.
إن مقاربة الوجه بوصفه آية ستوقفنا على مظاهر عظمة الخالق في خلْقه من جهة، كما أنها ستُعمّق فهمنا لتعقد هذا المخلوق من جهة أخرى، إذ إننا سنعرف على مدار الحديث كيف أن الوجه مَجْلَى المفارقات التي تخترق الذات، ففي الوقت الذي يغدو فيه الوجه كاشفًا لأسرار المرء منا، يُمثّل قناعًا متينًا يستر وراءه الإنسان ما يتصور أنه يستره!
ذلك ما سأسعى إلى وضعه في دائرة الوعي والضوء، ولا يغيب عنّي في ذلك كله هذا الحديث المستفيض الذي أفرده القرآن للوجه، فأدعم به كلامي.
فالوجه آية من آيات الله في الإنسان التي يجدر بنا التوقف معها تدَبُّرًا وطلبًا.
مقالات ذات صلة:
النظريات المفسرة للسلوك الإنساني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا