مقالات

الهندسة الجيولوجية الشمسية

المشروع المستقبلي الطموح للقضاء على آثار الاحتباس الحراري وتغيير طبيعة الأرض إلى الأبد!

في كل يوم بيعدي علينا في حياتنا على الكوكب، ومع التطور الصناعي والتكنولوجي المذهل اللي احنا عايشينه، بتواجهنا مشكلة بدأت صغيرة وغير مؤثرة، لكنها فضلت تكبر لحد ما وصلت لإنها تبقى كارثة حقيقية بتهدد وجودنا على سطح الأرض، الكارثة دي الاحتباس الحراري، وزيادة درجة حرارة الكوكب!

زمان كان الكلام في الموضوع دا بيعتبره الناس نوع من الرفاهيات، ومشاكل عالم أول زي ما بيقولوا، ومحدش كان حاسس ولا مدرك إيه اللي منتظرنا في المستقبل القريب، محدش كان متخيل إن زيادة درجات الحرارة بالشكل المستمر ده، بسبب الوقود الأحفوري والانبعاثات الحرارية الزايدة، ممكن ييجي عليه يوم ويبدأ يغير الطبيعة نفسها من حوالينا!

بس خلال الفترة اللي فاتت، كلنا بدأنا نحس بدا، وبإحساس واضح وصريح، الصيف بدأ يبقى أكثر حرارة، والتغيرات المناخية وصلت لإنها تغير الطبيعة الجغرافية نفسها لبعض المناطق والأقاليم، وتحولها إلى طبيعة تانية خالص محدش كان يتخيلها، الجليد المتجمد في أقطاب الكوكب بدأ يدوب، ويرفع معاه مستوى سطح البحر عشان يهدد المدن الساحلية بالغرق، وبعض الأنهار في أوروبا طالها الجفاف من فترة كدا، ومناطق تانية صحراوية اتغيرت طبيعتها البيئية، وبقى ينبت فيها زرع وخضرة جميلة جمال يحبس الأنفاس، زي ما حصل وما زال بيحصل في صحاري السعودية من فترة!

حسب كلام العلماء وخبراء المناخ، فالفترة اللي جاية في عمر الكوكب هنشوف فيها تغيرات بيئية وطبيعية غير مسبوقة، وزيادة درجات الحرارة المستمرة دي هتتسبب في تغيرات بيئية كارثية ممكن تقضي على الحياة على سطح الكوكب تمامًا، وعشان كدا، فالمشكلة الضخمة اللي بدأت تظهر في الأفق دي بدأت تستدعي حلول غير تقليدية.

فرصة لمكافحة الاحتباس الحراري

من ضمن الحلول دي، في اقتراح دلوقتي بيُدرَس جديًا من حكومات أقوى وأهم دول في العالم، لمحاولة حجب ضوء الشمس عن سطح الأرض، لتقليل درجة الحرارة وحل مشكلة التغير المناخي بأسرع وقت ممكن، قبل ما تتسبب في تغيرات بيئية دائمة! والاقتراح دا هيبقى واحد من أكبر وأهم المشاريع اللي اتنفذت في تاريخ البشر!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مش بس كدا، تخيل إن دلوقتي كمان بيُصمَّم كمبيوتر خارق بيشتغل بالذكاء الصناعي، عشان يقدر يدرس مدى فاعلية المشروع دا، وقدرته على حل مشكلة التغير المناخي فعلًا، والكمبيوتر دا المفروض إن مهمته يعمل محاكاة لآثار حجب ضوء الشمس عن الأرض، عشان يشوف التأثيرات البيئية لدا ممكن توصل لفين!

أيوه، اللي انت سمعته دا بجد، ومش حبكة فيلم خيال علمي في هوليوود ولا حاجة! دا بيحصل دلوقتي وبيتخطط له بالفعل في أثناء ما انت بتتفرج على الفيديو دا، ونتايجه هتأثر على حياتك ومستقبلك ومستقبل أحفادك إلى الأبد.

لو عايز تعرف إزاي، حضر كوباية شايك الحلوة بالنعناع، وخليني أحكيلك القصة من أولها.

الحكاية كلها بدأت سنة 1965، مع تقرير صدر عن لجنة التلوث البيئي الأمريكية، قالوا فيه إن البشر ممكن يوقفوا الاحتباس الحراري بطريقة جديدة ومبتكرة، بيسموها الهندسة الجيولوجية الشمسية أو الـ(Solar Geoengineering).

طب إيه الهندسة الجيولوجية الشمسية دي؟! هقولك.

ما هي الهندسة الجيولوجية الشمسية؟

الهندسة الجيولوجية الشمسية

شوف يا صديقي، اللي هما قالوه في التقرير دا إنهم عايزين يحقنوا الغلاف الجوي بكميات كبيرة من الأيروسول أو “الغبار الجوي” زي ما بيسموه، ودا عبارة عن ذرات دقيقة من غبار ثاني أكسيد الكبريت أو الـ(SO2) اللي لما بيندمج مع السحب بيزود قدرتها على عكس أشعة الشمس، ومن دا، ممكن مع الوقت نوصل لمرحلة إننا نحجب جزء كبير من ضوء الشمس ونمنعه من الوصول لسطح الأرض، وبكدا نقلل آثار التغير المناخي ونقلل درجة حرارة الأرض بما يكفي للقضاء على الظاهرة دي نهائيًا.

تنفيذ الاقتراح دا في رأيهم وقتها كان ممكن يتكلف نص مليار دولار تقريبًا في كل سنة، بس لو هنتكلم بأرقام العصر الحالي، فالرقم دا هيزيد لحد ما يوصل تقريبًا 10 مليارات دولار سنويًا، بس الفوائد المتوقعة من حاجة زي دي ممكن تبقى كبيرة جدًا، لدرجة إن العلماء بيتوقعوا إنها ممكن تنزل درجة حرارة الكوكب بمقدار درجتين مئويتين كاملتين!

دا مش بس هيقلل من آثار الاحتباس الحراري المدمرة اللي بنشوفها وبنحس بيها في كل حاجة حوالينا دلوقتي، كمان ممكن يوصل لإنه يجمد جليد القطبين تاني، ويوقف ارتفاع مستوى سطح المياه اللي بيحصل بمقدار مخيف كل سنة!

اقرأ أيضاً: التغير المناخي قادم

هل الهندسة الجيولوجية الشمسية حل لأزمة المناخ؟

يمكن علشان السبب دا الدراسة دي رجعت تنتشر انتشار واسع في الفترة الحالية، لما في شهر مارس اللي فات طلعت أخبار على إن في أكتر من 60 عالم وخبير مناخ وقّعوا على عريضة بتدعو لاستخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية دي، لإيقاف آثار الاحتباس الحراري، والعلماء دول بيقولوا إن التكنولوجيا دي لازم تتدرس جديًا، عشان ممكن تبقى الشيء الوحيد المتبقي قدامنا، والقادر على إيقاف الكارثة اللي جاية قبل ما تحصل.

حسب دراسة اتعملت في جامعة ييل (Yale) الأمريكية في شهر سبتمبر من سنة 2022، عشان نقدر ننفذ الخطة دي، هنحتاج لطيارات تطلع لارتفاعات عالية جدًا بتوصل لأكتر من 15 ميل فوق سطح الأرض، عشان توصل لطبقة الستراتوسفير اللي بيكون الهوا فيها هادي ومفيش رياح قوية، وبعدين ترش الإيروسول دا هناك، وبالطريقة دي ممكن يفضل الغبار موجود في المنطقة دي لمدة تتراوح ما بين 6 شهور لحد سنتين كاملين.

طائرات لدراسة استخدام المواد الكيميائية في تبريد الكوكب

طبعًا مش محتاج أقولك إن الوصول للارتفاعات دي صعب جدًا على تكنولوجيا الطيران الحديثة، وهيحتاج طيارات بمواصفات خاصة جدًا ومكلفة، وممكن تتبنى مخصوص للمهمة دي، وعدد الطيارات اللي هتحتاج تطلع في المرة الواحدة ممكن يوصل لـ125 طيارة، هيحتاجوا يرشوا الغبار دا في مناطق معينة من شمال ألاسكا والطرف الجنوبي من القارة الأمريكية الجنوبية، وبكده ذرات الغبار دا هتبدأ تنجرف ببطء ناحية القطبين الشمالي والجنوبي، وهتتسبب في تقليل درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين كاملتين حسب الدراسة.

بس عشان دا يحصل، هيحتاج استمرارية، وعدد رحلات الطيران المطلوبة لتحقيق الغرض هيوصل لأكتر من 175 ألف رحلة طيران سنويًا، وطبعًا مش محتاج أقولك دا هيكون تكلفته ضخمة قد إيه، دا غير كميات الغازات الضارة والعوادم اللي هتخرج في الجو بسبب رحلات الطيران دي كلها، واللي هتأثر أكتر في تفاقم المشكلة.

يمكن عشان كدا، بعد نشر الدراسة دي بشهر، وتحديدًا في شهر أكتوبر من سنة 2022، مكتب البيت الأبيض للسياسات الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا أعلن عن خطة عمرها 5 سنين هيدرسوا فيها التكنولوجيا دي، وهيعملوا تقييم علمي شامل لمدى خطورة أي تدخلات صناعية في تحديد وتركيب المناخ الأرضي، باختصار عايزين يشوفوا الخطة دي ممكن فعلًا تنفع ولا لأ، وخطورتها على الغلاف الجوي للكوكب ممكن توصل لفين.

فكرة مستمدة من البراكين

الهندسة الجيولوجية الشمسية

لو انت بتسأل بينك وبين نفسك دلوقتي، إيه مدى الخطورة اللي ممكن يحصل من حاجة زي دي؟ وليه الموضوع مستدعي دراسة كاملة لكل الفترة دي؟ فخليني أقولك إن الخطورة في إنها ممكن تتسبب في كارثة بيئية أكبر بكتير من أي حاجة ممكن تتخيلها، ودا عشان غبار ثاني أكسيد الكبريت –لو انت مكنتش عارف– غبار سام!

الفكرة إن دي مش أول مرة يُطلق الغبار دا في الغلاف الجوي في تاريخ الأرض، عشان حصلت قبل كدا مرات كتير، بس مش بصورة صناعية، بل بسبب انفجار البراكين الضخمة اللي بتطلق كميات ضخمة من الرماد والغازات السامة –واللي منها ثاني أكسيد الكبريت– في الغلاف الجوي، وآخر مرة حصلت عمليًا قدام عيوننا كانت سنة 1991، لما انفجر بركان ماونت بيناتوبو في الفلبين، وتسببت الغازات المنبعثة منه في حجب ضوء الشمس لفترة، واتحول لون السما نفسها في بعض الأماكن إلى الأبيض بسبب انتشار ذرات الغبار العاكسة لأشعة الشمس.

كانت النتيجة المباشرة لدا انخفاض درجة حرارة سطح الأرض بمقدار نص درجة مئوية، وزيادة تشتت ضوء الشمس في الغلاف الجوي، واللي تسبب بالتبعية في زيادة قدرة النباتات على التمثيل الضوئي وزود معدلات امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو! يعني انفجار البركان دا رغم إنه المفروض كارثة طبيعية، فهو بالصدفة قلل شوية من آثار التغير المناخي والتلوث على عكس ما الناس كلها كانوا متخيلين!

اقرأ أيضاً: الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل

طوق نجاة يثير قلق العلماء

عشان كدا العلماء بيقولوا إن الخطة دي ممكن تنفع، وتبقى الحل الأخير اللي قدامنا قبل ما الاحتباس الحراري يتسبب في كوارث بيئية مفيش رجوع منها، خصوصًا إن ذرات الإيروسول دي بتُطلق في الغلاف الجوي بشكل كبير من بدايات القرن بسبب التلوث الإنساني، وبعض الخبراء بيقولوا إن في كمية كبيرة موجودة منها في الجو بالفعل، لدرجة إنها ممكن تكون مغطية على تلت الأثر الحقيقي للاحتباس الحراري!

طبعًا مع زيادة القوانين اللي بيفرضوها على الشركات والصناعات الحديثة للحد من التلوث وتقليل انبعاثات الإيروسول دي في الجو بسبب خطورتها على الصحة التنفسية للإنسان، فهي كميتها هتقل مع الوقت، ودا هيخلينا تدريجيًا نبدأ نحس بالأثر الحقيقي للاحتباس الحراري، ونعرف الحرارة الحقيقية اللي وصلها كوكب الأرض، واللي إحنا مكناش حاسين بيها قبل كدا!

بس رغم الإفادة الكبيرة اللي ممكن تعود علينا بسبب الخطة والتكنولوجيا دي، واللي ممكن توقف آثار الاحتباس الحراري تمامًا على المستوى القريب، فبرنامج الأمم المتحدة للبيئة شايف إنها خطة مش واقعية ومش حكيمة إطلاقًا، ودا عشان إطلاق ذرات الإيروسول في الهوا دون دراسة متأنية ودقيقة ممكن يؤدي إلى سلسلة من الآثار المدمرة اللي ممكن تأثر في مناخ الأرض وصالحيته للحياة دائمًا!

آثار سلبية كبيرة

أول حاجة، شكل غروب الشمس وشروقها هيتغير لونه، وهيبقى لونه أحمر أكتر، وشكل سما الأرض نفسها هيتغير ويتحول إلى لون أبيض، وهنفقد تمامًا شكل السما الأزرق اللي اتعودنا عليه من آلاف السنين، دا غير إن ذرات الإيروسول دي سامة وغير صالحة للتنفس، وممكن تتسبب في مشاكل صحية كتير، وكمان ممكن ينتج عنها سلسلة من العواقب غير المتوقعة، زي مثلًا إنها ممكن تضعف العواصف الاستوائية وتتسبب في زيادة آثار التلوث اللي بتمحيها العواصف دي، وتزود درجات الجفاف في صحاري إفريقيا، وتزود شدة الأمراض القاتلة اللي زي الملاريا وغيرها!

ده غير حاجات وآثار تانية كتير منعرفهاش ولا عندنا فكرة عنها، عشان احنا لسه معندناش العلم الكافي بالأمور دي لحد دلوقتي، وكل اللي نملكه بعض العلم اللي بيأهلنا لتوقع حالات الطقس على المستوى القريب مش أكتر!

هل تضر هندسة المناخ بكوكب الأرض؟

الهندسة الجيولوجية الشمسية

عشان كدا، مع بداية شهر يوليو سنة 2023، بدأ المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في استعمال جهاز كمبيوتر خارق جديد اسمه ديريتشو (Derecho)، بيشتغل بنظام متطور من الذكاء الصناعي، اللي قادر يتنبأ بآثار استعمال الإيروسول في الغلاف الجوي وأنماط وظواهر المناخ في جميع أنحاء الكوكب كله!

يعني باختصار، الكمبيوتر دا بيقدر يعمل حاجة أقرب إلى الخيال العلمي، كانت بتراود خيال المؤلفين من قديم الأزل، بيقدر يعمل برامج محاكاة طويلة الأمد لأنماط الطقس، عشان يعرف أي تدخل صناعي فيها ممكن يؤدي لآثار عاملة إزاي في بيئة الأرض بعدها، والكمبيوتر دا هيكون جزء من الدراسة اللي هتتعمل الفترة الجاية على مدى فاعلية التكنولوجيا دي.

لو نجحت الدراسة دي، فدا معناه إننا ممكن بعد الكام سنة الجايين، نغير شكل كوكبنا تمامًا إلى الأبد!

تخيل إن ممكن في المستقبل القريب، سما الأرض نفسها تفقد لونها الأزرق، ويبقى لونها أبيض! ومنظر شروق الشمس يختلف تمامًا ولونه أحمر!

منظر الكوكب نفسه وبيئته ساعتها هتختلف اختلاف جذري عن اللي احنا اتعودنا عليه من سنين طويلة، ودا معناه إن دي المرة الأولى اللي البشر هيقدروا يغيروا فيها من طبيعة كوكبهم تغيير صناعي وقصير الأجل، حدث تاريخي لازم ولا بد هيشكل نقطة فارقة في تاريخ الحضارة البشرية إلى الأبد!

انت رأيك إيه في المشروع ده؟! وشايف إننا نعمله فعلًا، ولا ممكن يبقى له عواقب كارثية وغير متوقعة على مستقبل الكوكب كله؟!

مستني رأيك في الكومنتات.

اقرأ أيضاً: كائنات مُفرطة (Hyperobjects)!

مصادر:

https://www.euronews.com/green/2023/07/05/sun-blockers-us-scientists-aim-to-cool-the-earth-by-reflecting-sunlight-into-space

https://www.scientificamerican.com/article/supercomputer-will-help-decide-whether-to-block-the-sun/

https://www.popularmechanics.com/science/environment/a43143001/scientists-want-to-block-the-sun-solar-geoengineering/

https://www.popularmechanics.com/science/green-tech/a41911533/solar-geoengineering-can-reflect-the-suns-rays/

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست