مقالات

النظرية الأخيرة لستيفن هوكينج

من تقريبًا 4 سنين كده، توفي العالم الفيزيائي ستيفن هوكينج، صاحب بعض من أهم الأبحاث والنظريات العلمية في علم الفيزياء.

بس قبل ما يموت، واحدة من آخر نظرياته وأبحاثه اللي نشرها كانت غريبة شويتين، وبتقول إن الكون في الواقع مختلف عن ما كنا بنتصور قبل كده، عشان الزمن نفسه مكانش موجود في بداية الكون وبعد الإنفجار الكبير!

وبسبب إن الزمن مكانش موجود، فالكون بتاعنا شكله تغير وتكونت فيه أكوان مختلفة كتير، بتفصل بينها مساحات شاسعة من الفضاء، غير قابلة للاستيعاب.

كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى بقى معايا أحكيلك إزاي النظرية دي هتقدر تغير مفهومنا عن كل حاجة نعرفها في الكون.

التضخم الكوني وتفسيره للكون

في البداية كده، لو إنت جيت وسألت أي عالم فيزياء كونية عن إيه اللي حصل في بداية الكون وبعد الانفجار الكبير مباشرة، فالإجابة هتكون حاجة اسمها التضخم أو الـInflation.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التضخم ده هو يمكن واحد من أغرب الحاجات اللي إحنا لسه مش فاهمينها في الكون بتاعنا لحد دلوقتي.

لإنها بتكسر قواعد الفيزياء اللي إحنا نعرفها وبتقلبها رأسًا على عقب زي ما بيقولوا، بطريقة لازم تخليك تحس إن في حاجة غلط في اللي إحنا عارفينه، أو قواعد لسه مجهولة بالنسبة لنا تمامًا.

اللي إحنا نعرفه عن اللي حصل بالظبط في فترة التضخم دي، هو إن في أول جزء من تريليونات الأجزاء من الثانية بعد الانفجار الكبير، تمدد الكون لحجم أكبر من حجم الذرة بتريليونات المرات.

طبعًا التمدد الرهيب ده حصل وقتها بسرعة أكبر من سرعة الضوء نفسه، وده كان أول كسر في عرش قواعد الفيزياء حصل في الفترة الزمنية القصيرة جدًا دي.

ماذا يعني تمدد الكون؟

بعدها الكون كان كله عبارة عن عاصفة كبيرة وضخمة جدًا من الطاقة، حرارتها لا نهائية، وصلت من كتر قوتها لإن مكانش في جواها ذرات ولا جزيئات ولا إلكترونات ولا جسيمات ذرية، مجرد بحر واسع من الطاقة الصافية.

بمرور الزمن، فضل الكون بعدها يتمدد ويتوسع، ومع التمدد السريع ده كانت الكثافه والضغط بيقلوا تدريجيا لحد ما الحرارة قلت لحد معين سمح بتكون أول جزيئات ذرية في تاريخ الكون، ومن هنا بدأ تكوين النجوم، وبعدها المجرات نفسها، لحد ما الكون وصل لشكله المعروف لينا دلوقتي.

حسب نظرية التضخم الأبدي Eternal Inflation اللي تم وضعها سنة 1983، وشارك فيها ستيفن هوكينج نفسه، فالكون المفروض إنه لسه لحد وقتنا هذا بيتمدد ويتوسع باستمرار وبشكل لا نهائي.

لحد ما هييجي يوم وهيكون فيه المجرات والنجوم اللي بنشوفها في السماء دي بعيدة عننا جدًا لدرجة إن سرعة ابتعادها عننا هتبقى أسرع من قدرة ضوءها نفسه على الوصول لينا.

ساعتها هيكون مستحيل علينا نشوف الأجزاء دي من الكون تمامًا، وهيقل منظورنا للفضاء ويضيق علينا جدًا، وهنبقى فاكرين ساعتها إن الكون هو مجرد المجرة بتاعتنا وبس!

ما هي نظرية الأكوان المتوازية؟

النظرية الأخيرة لستيفن هوكينجبس كل ده مش المذهل، المذهل فعلًا هو إن النظرية دي بتقول إنه بسبب تأثيرات الفيزياء الكمية اللي إحنا نعرفها، فبعض الأماكن في الكون الضخم ده توقفت عن التضخم والتمدد.

ده سمح للجزيئات والذرات إنها تتكون، زي الكون المرئي بتاعنا كده، والأماكن دي ممكن تفكر فيها على إنها فقاعات كونية عملاقة عددها ضخم جدًا في وسط محيط شاسع ولا نهائي.

كل الفقاعات دي عبارة عن أكوان تانية، توقف جواها الكون الأصلي الكبير عن التمدد، وبقى ليها قوانين فيزيائية خاصة بيها.

يعني كوننا إحنا نفسنا، اللي بنشوفه ونرصده في السما، واللي بيشكل كل حاجة نعرفها في حياتنا، المفروض إن هو مجرد كون واحد بس من الأكوان دي، وفقاعة واحدة من ضمن ملايين الفقاعات الشبيهة، اللي ليها قوانين وقواعد فيزيائية مختلفة!

من هنا ظهر مصطلح الأكوان المتوازية اللي الناس كلها تعرفه دلوقتي، وكلنا بنسمع عنه كتير في الأفلام والمسلسلات وروايات الخيال العلمي، وفضلت النظرة دي للكون هي السائدة والمنتشرة لفترة طويلة جدًا، لحد شهر يوليو من سنة 2017.

الجدل الأبدي حول التضخم الأبدي للكون

في الوقت ده، وقبل ما يموت مباشرة، العبقري ستيفن هوكينج تعاون مع عالم الفيزياء البلجيكي توماس هيرتوج، ونشر ورقة علمية جديدة بتخالف الاعتقاد السائد عن التضخم الكوني اللا نهائي اللي بدأ بعد الانفجار الكبير، وبتعرض نظرة جديدة بتقول إن الكون في الواقع محدود وله نهاية، وإنه مش هيفضل يتوسع للأبد زي ما كنا فاكرين.

تعالى بقى أحكيلك النظرية الغريبة دي بتقول إيه.

بص يا سيدي، المشكلة الكبيرة اللي كانت بتواجه نظرية التضخم الأبدي دي هي إنها مكانتش متوافقة خالص مع قوانين وقواعد نظرية النسبية.

ده عشان النظرية اللي ابتكرها أينشتاين في بدايات القرن اللي فات، وغيرت تفكيرنا في الكون كله دي، بتقول إن الزمن والفضاء مش ثابتين، بل هما بيتغيروا وبينحنوا تحت تأثير قوة الجاذبية.

طبعًا ده مكانش متوافق خالص مع قواعد وقوانين الفيزياء الكمية اللي كانت الجاذبية فيها مهملة تمامًا ومالهاش تأثير تقريبًا على المستوى الذري.

اقرأ أيضاً: إنسان القبيلة

اقرأ أيضاً: البحث عن الآخر الكوني

اقرأ أيضاً: لغز الكائنات الفضائية

نظرية الأوتار الفائقة

أينشتاين قضى وقت طويل أوي من حياته بيحاول يوصل لنظرية جديدة توحد ما بين النسبية وميكانيكا الكم، عشان نقدر بيها نفسر كل حاجة في الكون، وكل لغز معرفناش نحله لحد دلوقتي.

بس للأسف توفي قبل ما يقدر يحقق حلمه ده، وعلماء كتير خدوا المهمة دي هدف من بعده، وحاولوا يوصلوا لنظرية تقدر تجمع ما بين الاتنين دول.

من ضمن النظريات دي كانت نظرية اسمها نظرية الأوتار الفائقة، والنظرية دي شرحها طويل ومفيش مجال له هنا.

بس هي باختصار كانت بتحاول تدمج ما بين النسبية والكم من خلال إنها بتقول إن الكون كله من أصغر ذرة وجسيم ذري فيه، لحد أكبر كوكب ونجم، بيتكون في الأساس من أوتار صغيرة جدًا فائقة الدقة، والأوتار دي اهتزازاتها هي اللي بتدي للجسيمات دي خصائصها، وبينتج عنها شكل الكون اللي بنشوفه.

نظرية الأوتار الفائقة بتقول إن الكون في الواقع بيتكون من 11 بعد فيزيائي محمولين على الأوتار الصغيرة جدًا دي.

أول 3 أبعاد منهم إحنا عارفينهم وبنشوفهم ونتعامل معاهم كل يوم، اللي هما الطول والعرض والارتفاع، والرابع هو الزمن اللي بنتحرك فيه غصب عننا لقدام، وعشان كده بنكبر ونعجز، والأشياء بتتقدم في العمر وبتقدم.

المبدأ الهولوغرافي

النظرية الأخيرة لستيفن هوكينجبس اللي قاله هوكينج بقى هو إن الكون بتاعنا ممكن يتم تبسيطه رياضيًا وإسقاطه على أبعاد أقل من اللي بنشوفها، يعني كإننا بنشوف صورة هولوجرامية ثلاثية الأبعاد للكون بتاعنا، متكونة من سطح ثنائي الأبعاد، بالظبط زي الهولوجرام.

الفكرة دي اسمها نظرية الكون الهولوجرامي، وهي باختصار بتقول إن الكون بتاعنا ده كله هو هولوجرام ضخم ومجسم، مرسوم على سطح ثنائي الأبعاد.

اللي قاله هوكينج بقى باختصار هو إننا ممكن نطبق نفس مبدأ الهولوجرام ده على الكون بتاعنا رياضيًا، بس المرة دي هنحذف منه الأوتار الفائقة اللي بتديله بعد الزمن!

لما عمل ده بالفعل بالمعادلات في النظرية الجديدة بتاعته، فاللي ظهر قدامه هو إن في فترات في تاريخ الكون بتاعنا كان الزمن فيها مش موجود، أو لسه متكونش من الأساس!

هل بدأ الزمن قبل الانفجار الكوني العظيم؟

يعني مفهوم الزمن نفسه وقتها مكانش موجود، وبالتالي العمليات الكونية اللي كانت بتحصل كانت خارج حدود الزمن أصلًا!

يعني باختصار، الزمن نفسه له حدود وبداية، والحدود والبداية دي تاريخها بيرجع لما بعد اللي حصل في الانفجار الكبير، والتضخم الكوني، بمعنى إن ظاهرة الـInflation دي حصلت لما ما كانش في زمن أصلًا!

عشان كده الكون وقتها تمدد أسرع من الضوء، لإن مكانش في قوانين فيزيائية تحكم عليه بسرعة محددة من الأساس!

لما تكون الزمن بعدها، فقوانين الفيزياء تغيرت عشان تستوعب البعد الجديد ده، وهو ده سبب إننا لسه لحد دلوقتي مش قادرين نفسر التضخم الكوني أو الـInflation، بنظرية النسبية، لإن النسبية بتعتمد على الجاذبية والزمن كأساس، ووقت الـInflation مكانش في حاجة اسمها زمن أصلًا!

الأكوان المتعددة حقيقة عملية أم مجرد فرضية؟

لو هتسألني ده إيه فايدته، هقولك إن الافتراض ده في الواقع عمل حاجة مذهلة، قدر يخلينا نلغي فكرة إن الأكوان المتعددة عددها لا نهائي، ونتأكد إنها في الواقع محدودة، وإن البنية الحقيقية للكون في شكله الضخم العظيم، هي أبسط من ما كنا بنتخيل، ومتوازنة مع بعضها ومحدودة، مش لا نهائية.

حسب كلام هوكينج قبل وفاته سنة 2018، فالنظرية دي مش بتنفي فكرة الأكوان المتعددة، بل هي بتقلل من عددها لمدى صغير ومحدود، وبتخلي من الأسهل علينا محاولة التأكد من وجودها في المستقبل، لما يقدر علماء الفيزياء والرياضيات التانيين يراجعوا النظرية ويتأكدوا منها ومن معادلاتها.

لو هتسألني هيتأكدوا إزاي من وجود الأكوان المتوازية؟ فالإجابة هي إنهم هيحاولوا يرصدوا موجات الجاذبية اللي المفروض إنها تكون حصلت بسبب ظاهرة التضخم الأبدي اللي تكلمنا عليها دي.

سر التفوق والتميز

النظرية الأخيرة لستيفن هوكينج

طبعًا الموجات دي هتكون ضخمة جدًا على إنها يتم رصدها بمرصد الجاذبية اللي عندنا هنا على الأرض، اللي هو لايجو LIGO، وهنحتاج إننا نستنى لحد ما يتبني مرصد LISA الفضائي في المستقبل، واللي هيكون متخصص في رصد موجات الجاذبية الضخمة من بره حدود الكوكب نفسه.

ساعتها لو تأكدنا من حاجة زي كده، هيكون فتح فيزيائي عظيم، وواحدة من أعظم الإنجازات العلمية اللي وصلها البشر في تاريخ علم الفلك والفضاء.

المبهر أكتر من كل ده، هو إن ساعتها هيكون الإنجاز ده عمله عالم ضعيف مشلول وعاجز عن الحركة، كان قاعد على كرسي متحرك ومبيعرفش حتى يتكلم إلا من خلال جهاز كمبيوتر.

كإن الكون نفسه بيقولنا بطريقة غير مباشرة إن سر التفوق والتميز عمره ما كان بالقوة ولا العضلات ولا الجسم.

بل هو في العقل البشري ومعجزاته اللي مالهاش مثيل، اللي بتثبت دايمًا يوم بعد يوم إنه قادر على تحقيق المستحيل، والوصول لحل أعمق وأغرب ألغاز الخلق نفسها، حتى لو كان عقل بلا جسد.

مصادر

https://www.sciencealert.com/stephen-hawking-s-final-theory-about-our-universe-will-melt-your-brain

https://scitechdaily.com/constraining-the-multiverse-stephen-hawkings-final-theory-about-the-big-bang/

https://www.pbs.org/newshour/science/read-stephen-hawkings-final-theory-on-the-big-bang

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست