مقالاتفن وأدب - مقالات

الملاك

قصة قصيرة

الكوكب الأزرق كما يطلقون عليه، عالم الفيسبوك، لم يخطر ببالي أبدا أنه سيكون مصدر هذا التغيير الهائل لحياتي!

بدأ تعرفي عليه بخطوات بطيئة كحبو طفل رضيع، وجاءت دهشتي منه بروح صبي يستكشف عالما جديدا، في البداية يقف فاغرا فاه بدهشة لكل هذه الأعاجيب، ثم يمد يده متوجسا ومحاولا المشاركة،

كم نشرت أشياءً مقاومة لمنع الشيطان لي عنها، وكم ساعدت هؤلاء الذين يتحداهم اليهود في جمع آلاف اللايكات، وأخيرا وصلت للنضج المطلوب، بعد أن ظهر لي التناقض التام لكل شيء يتم نشره على صفحات هذا الكوكب العجيب.

وصلت للصفحات المتخصصة، تلك للمرح وفقط، هذه لأعمال المطبخ، وغيرها للقراءة وما شابه، حتى وصلت لتلك الصفحة المدهشة، اسمها (أفكار بنات مبدعات)!

فيها كل واحدة تبتكر وتكتب عن أفكارها غير التقليدية، والتي عالجت بها مشكلة كبرى عندها، أو وصلت إلى ما تبتغي عبرها، ولست أدري لمَ كانت كل الأفكار تدور حول العلاقة بالرجل! هناك من أعدت مقلبا محترما لأخيها الذي يسرق أو يختطف منها كل ما هو ثمين ويخصها، وأخرى دبرت لخطيبها فخا يليق ببخله وشحه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما آخر المكائد فكان من زوجة لزوجها الذي لا يكف عن المعايرة لها، ولا يلبي لها طلبا إلا بعد طول رجاء وعناء. كانت تعلم تفاصيل قصة حبه المشتعل والقديم لإحدى زميلات عمله، والتي انتهت عند زواجها بآخر يفوقه في كل شيء، فور تقدمه للزواج منها بلا مماطلة أو وعود قد لا تتحقق.

قامت تلك الزوجة بالبحث عن حساب الحبيبة السابقة بالفيسبوك حتى وجدته، أخذت تتصفح جميع صورها إلى أن وجدت لها صورة قديمة، فطبعتها طباعة فاخرة وعلى ورق مخصص للصور الفوتوغرافية، وبكل بساطة دست الصورة بمحفظته فور عودته من عمله.

بعد تناوله للغداء وعندما هم بنوم القيلولة المعتاد، دخلت غرفة النوم وتململت ثم نطقت مطالبة بمبلغ لشراء بعض مستلزمات البيت، فأشار نحو ملابسه قائلا لها جملته الشهيرة والتي تحفظها جيدا:

– حافظتي عندك، إن وجدت بها مليما فهو لك، كالعادة تنفقين ما أعطيك في لمح البصر، وتطلبين المزيد!

وعلى نقيض كل مرة لم تطل معه الجدال، وانطلقت نحو ملابسه ومدت يدها تجاه الجيب الذي اعتاد على وضع الحافظة به وتعلمه هي جيدا، وأخرجتها بحجة البحث عن مال، وانتزعت الصورة راسمة على وجهها ما استطاعت من آيات الدهشة، وهي تصرخ قائلة:

– ما هذا؟!!

توجس زوجها قليلا وهو يسألها:

– ما بك؟

رفعت الصورة أمام وجهه، وبدأت المشادة اتهاما منها ودفاعا منه، وانتهت أنها بمحبتها له وقلبها الأبيض النقي الطيب سامحته هذه المرة!

تركته لدهشته وتساؤلاته كيف ومتى وصلت الصورة لحافظته، ولكن اكتسبت هي عاملا ساعدها في معايرته بعد ذلك، ووسيلة ضغط عليه عند التذكير بهذا الموقف.

هذه القصة أثارت إعجابي لأبعد الحدود، وبلا تفكير ولا إعداد وربما بلا داع كذلك، ولعلمي بالقصة القديمة بين زوجي وابنة خالته، والتي تركها هو عندما رآني، دبرت مثلما فعلت هذه الزوجة، ولكن كنت أكثر براعة في استجلاب الدموع وإطالة مدة العتاب واللوم، وهو يفعل الأعاجيب ليرضيني، وتمر الأيام وقد أصبح أكثر وداعة وهدوءا، وكلما حاولت تذكيره بالموقف أجده يبتسم ويقول لي:

– هذا الموقف لا يمكنني نسيانه أبدا لتذكريني به.

ثم يقبل رأسي ويقول لي:

– أنت أميرتي، وملاكي الذي جاء في الوقت المناسب.

وفي ذات يوم وبينما هو يغتسل، جاء تنبيه على جواله بوصول رسالة إليه، وبكل بساطة قمت بفتحها لرؤية ما بها، وكانت الصاعقة..

فقد كانت رسالة من ابنة خالته وهي تقول له:

– نعم، كما قلت أنت بالضبط، هناك ملاك أراد أن يجمع شملنا بعد طول غياب.

تمت بحمد الله

اقرأ أيضاً:

قصص الفيس بوك

الكائن الافتراضي

بطون تكاد تنفجر من الجهل

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. أحمد السعيد مراد

طبيب وروائي – عضو اتحاد كُتاب مصر