مقالاتقضايا شبابية - مقالات

عایز أعیش عیشة كریمة

هذه الإجابة؛ غالبا ما تكون الإجابه في مناقشة بین الأصحاب أو أفراد العائلة أو حتى إذا سألت أحد المارة إجابة سؤال ماذا ترید من حیاتك؟ ستكون الإجابة بكل تلقائیة عایز أعیش عيشة كريمة. فما المقصود بالعیشة الكریمة؟ وهل المقصود صحیح؟ و ما هو المقصود الصحیح؟ وكیف تم تشویه هذا المفهوم ولماذا؟!

أولا:- ما المقصود بالعیشة الكریمة من لسان هؤلاء الأفراد السابقین؟!

بالنظر إلى حال المجتمع وحال الأفراد؛ فإن ذلك المفهوم یتجه إلى الكرم المادي أو الترف من مسكن وملبس ومأكل وعمل وشراء كل ما یخطر بالبال بغض
النظر عن أهمیته من عدمها، فنجد هذا الشاب یتخلى عن تخصصه الذي یحبه ویبرع فیه و یتجه للعمل بشركة خاصة تأخذ منه ما تأخذ من الوقت والمجهود والتفكیر والطاقه النفسیة في مقابل عائد مادي أو مرتب مجزي یكفي لشراء ما لذ وطاب من الاحتیاجات المادیة،
وهذا الأب یترك حیاته التي أنعم الله علیه بها بما فیها من بیت وزوجة وأولاد وعمل مناسب ویسافر إلى بلد غریب لا یُعرف له فیها أهل ولا بیت ولا صحبة ولا لغة ولا عمل ولا ثقافة حتى؛ بحجة أنه یرید أن یوفر لأهله حیاة كریمة، ولا أقصد هنا من یحتاج لذلك فعلا؛ فمنا من فرغُت الأسباب من یدیه فى ظروف معینة فیحتاج إلى فرصة أخرى لیوفر بها احتیاجاته الأساسیة، فهل حقًا هذه هي الحیاه الكریمة المطلوبة؟!

ثانیًا:- هل مفهومنا عن الحیاة الكریمة صحیح؟! وما هو المقصود الصحیح؟!

لنعلم ذلك؛ لابد من الانتباه لعدة أشیاء مثل؛ ما هو الإنسان وما هي احتیاجاته؟! ما هو معنى ومدلول الحیاة الكریمة؟! ومن یحدد ذلك؟ وما أثر ذلك على الإنسان؟
الإنسان كما نعرف عبارة عن جزء مادى وهو الجسد وجزء معنوي وهو الروح؛ و لكل جزء احتیاجاته وطبیعته، فالجسد یحتاج لبقائه للأكل والراحة والصحة
والزواج وما إلى ذلك.
ولكن بالقدر الكافي غیر الزائد عن الحاجة؛ فهو محدود واحتیاجاته محدودة، والروح هي الجزء الذي لا ینتمي لهذه الدنیا وإنما ینتمي إلى حیاة خالدة غیر محدودة الاحتیاجات ولذلك احتیاجاته غیر محدودة، فلابد من تحصیل وتوفیر احتیاجات الروح بالتقرب من خالقها والعلم النافع والتحلي بمكارم الأخلاق وحب الحق والخیر والعمل بهم ونشرهم والدعوة إلیهم ودفع الظلم وكرهه بكل أشكاله.
ولذلك نجد أن الحیاة الكریمة بعد هذا العرض هى الحیاة التي یتوفر فیها للجسد احتیاجاته بالقدر الذي یحفظه ویساعده على البقاء وتوفیر احتیاجات الروح غیر المتناهیه والعمل الدائم على الارتقاء بها وتحصیل ما تسمو به والعمل بذلك وبثه بین الناس.

ولو تطرقنا إلى أثر تشوه هذا المفهوم على الإنسان نجد:

من یقتصر على سد احتیاجاته المادیة فقط یتخلى عن سلامته النفسیه والاجتماعیه والفكریه وبعد وقت یكون عرضه للانهیار، فلأى شيء یتخلى هذا الشاب عن عمل ما یحب و یبذل فیه طاقته لیعطى أفضل ما عند خدمه لنفسه ولمجتمعه ویقحم نفسه في عمل غیر عادل یخسر فیه كل شيء مقابل (مرتب مجزى) وقد یحدث له ما یحدث في هذا الضغط فیتخلى عن اتزانه النفسي والاجتماعي والأخلاقى، وبعض هؤلاء الذین تركوا سكن راحتهم البدنیة وسكینة راحتهم النفسیة بین زوجاتهم وأولادهم في بیوتهم ومجتمعاتهم، وحسن معاملتهم وتربیتهم في مقابل أن یوفروا لهم (حیاة الترف) نعم حیاة الترف؛ فالاحتیاجات المادیة نحن من نصنعها ونحركها ولكن في هذه الحال هي من تحركنا و تستعبدنا في مقابل مكسب مزیف وخادع .

ثالثًا :- كیف تم تشویه هذا المفهوم ولماذا ؟

تشويه المقصود یرجع إلى عوامل كثیرة، نتناول أهم اثنین
أولهما: إطار الحیاة المادیة والنزعة الاستهلاكیة التي یغرق فیها العالم الیوم .
ثانیهما : غیاب المیزان لدى الإنسان الذي یفرق به بین الحق والباطل وبین الضروري والمهم من غیره، وانسیاقه مغمى البصر في هذا التیار المادي المهلك.
إن هذا التوجه المادي المهلك الذي تبرأ من كل ما هو إنساني وكل ما هو مقدس، ولا یعطي قیمة لشيء غیر الربح المادي ، فالعالم بالنسبة له سوق كبیر یحكمه قانون العرض والطلب والبیع والشراء دون اكتراث لأي قیمة أخرى، ولا یخفى علیكم أثر.
ونتیجة ذلك من حروب وتعصب وشذوذ فكري وأخلاقي واجتماعي ونفسي وتفكك المجتمعات والدعوة إلى الفردیة وتحقیق الذات الزائفة والاستهلاك المترف الزائد عن الحاجة فقط لمجرد الاستهلاك، وما أدي له من فساد البر والبحر والطبیعة المُسخَّرة لنا لإعمارها بدلا عن ذلك، فى النهایة كل ذلك یصب فى مصلحة زیادة ثروات الشركات الرأسمالیة والنظام الجدید الذي یفترس العالم .
ساعد على ذلك تخلي الإنسان عن قیمه وأخلاقه وعقله وتعالیم دینه الصحیح والانسیاق مع التیار المادي دون ملاحظة أثر ذلك على حیاته وتغوله على روحه ومعنویاته وإنسانیته وتیهه في بحر مظلم من ظلم نفسه ومجتمعه.

الـحـــــل :-

حل ذلك بدایةً وإجمالاً ليس نهايةً وتفصيلاً: أن یرجع الإنسان لذاته، ویتجرد لجوهره ویعلم تمیّزه عن غیره و یحاول بقدر المستطاع أن یحیي روحه وعقله، بأن یستخدم عقله، وفقًا لقوانین التفكیر السلیم حتى لا یُخدع. ویتكمن من الفصل بین الحق والباطل و تتحلى نفسه بالأخلاق الكریمة؛ التى یحثه علیها خالقه ودینه حتى یفیض بالخیر والحب على نفسه وحیاته ومجتمعه.
“فنحن كعابرى سبیل فى هذه الدنیا ، فلم كل هذا التكلف المُهلك؟! “

محمد عبد المنجي

عضو بفريق بالعقل نبدأ المنصورة