القيم بين التغير والثبات
إنّ حياة الأفراد والمجتمعات لها حدود وأُطر ومرجعيات مرصودة دائمًا بالنظر إليها وامتثالها في الحركات والسكنات، في الليل والنهار.
القيم الصحيحة ترتبط بالقدوة والمثال والنموذج الطيب، الذي يتحلّى بالخلق الرفيع والتفكير الحسن والثبات على المبدأ والتمسُّك به والاستمرار عليه بعدم الخروج والحيْدة عنه، أما القيم السيئة الخبيثة فإنها تنهش في جسد المجتمع وتجعله يضعف ويتآكل ويعتريه التغيير والبوار مع الوقت.
الأعراف والقيم الاجتماعية
تمثّلت هذه القيم عندما خرج أبو بكر الصديق من مكة بعد تضييق قريش عليه، وكان رجلًا تاجرًا كبيرًا معروفًا لدى العرب، فلما ضيّقوا عليه وآذوه قرّر الهجرة إلى الحبشة.
في طريقه قابل ابن الدغنة فأقنعه بالعودة إلى مكة وأدخله في جواره، لأنّ هذا إن حدث وخرج من بيته وبلده فإنّ هذا يكون عارًا على العرب، وهكذا فقيم المجتمع هي المرجع الأساسي لسير الحياة.
حتى في الجاهلية قبل الإسلام قال عنترة بن شدّاد قديمًا في شِعره الأصيل:
وأغضُ طرفي ما بَدَت لي جارتي حتى يُواري جارتي مأواها
إني امرؤ سَمحُ الخليقة ماجدٌ لا أتبع النفس اللّجوج هواها
هذه هي الأخلاق التي يحتاج إليها إنسان العصر الحديث؛ الحفاظ على الجار وامتثال القيم والأعراف والقوانين التي تُنظّم حياة الناس، والتخلّص من رُكام الأفكار السوداء ورفض سيئ الأخلاق.
نبذ ما يبثه إليه الغرب ويشغله به من تبعات العولمة والتفسُّخ الأسري والانهيار الأخلاقي والوقوع في براثن الانحلال والتشتت، ومحاولة الرجوع والاقتراب من الأساس الذي فُطِرَ وجُبِلَ عليه.
أهمية الأخلاق واحترام القانون
إنّ الشرود والخروج عن سياسة العمل في فريق مثل المؤسسة والشركة والمجتمع كله، تصنع الشخص المنبوذ الخارج عن إطار الجماعة المنضبطة بأسس وقوانين، ومن ثم يتعرّض للمساءلة ووقوع العقاب في العاجل أو الآجل.
في هذا الصدد يشير الأديب الصيني الكبير (مو يان) الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 2012، إلى أهمية الأدب والأخلاق واتباع القانون والانضباط والبُعد عن ما يُدنّس المجتمع، وأنه لا يزال القانون هو أكثر الطرق مباشرة وفاعلية للسيطرة على جشع البشر.
القانون أشبه ما يكون بالقفص، فيما تشبه الرغبة الوحش، وما فعله المجتمع البشري خلال مئات السنين كان هو الصراع بين القانون والدين والأخلاق والأدب من جهة، وجشع البشر والدناءة والخِسّة من ناحية أخرى.
فالبلطجة وعدم احترام القانون والاكتراث وأخْذ الحق بالقوة والخروج عن إطار الأدب والحياء، والترويج للقيم الفاسدة والانحطاط، كالدعوة إلى الشذوذ والمثلية وغير ذلك من الدعوات المُغرضة الموجهة من الغرب الحاقد المُنحل، لا شك كل هذا سيؤدي إلى تفكك الأسرة وتراجع دورها ومن ثم المجتمع.
دور الأسرة والمدرسة والإعلام في العملية الأخلاقية والتربوية
تختلف الثقافة باختلاف البلاد والموروثات، وقد تتأثر ببعض الدوافع كالسُّلطة بأنظمتها المختلفة والحقب المتعاقبة، من هنا ينبغي الاهتمام بالأطفال وبث القيم الأصيلة في نفوسهم، لغرس قيم الولاء والانتماء والحب والتسامح للوطن، وخلق جيل جديد متشبّع بمكارم الأخلاق وحميد السجايا.
من هنا تكامل الأدوار مهم، فتقوم الأسرة بالتنشئة الصحيحة من خلال البرامج التوعوية للوالدين، ويأتي دور المدرسة والإدارة فتكمل بالنظريات الحديثة المعاصرة تربويًا دور الأسرة،
ويأتي أخيرًا دور الإعلام عمليًا لا نظريًا، فيطبق كل هذا باستضافة المتخصصين وإقامة الحوارات البناءة واختيار الموضوعات الهادفة، وإظهار المبدعين وأعمالهم الفنية الجيدة، والاهتمام بالموهوبين وإبرازهم للمجتمع بصورة تليق بمستقبلهم المشرق الواعد.
وظائف القيم في حياة الفرد والمجتمع
قد تتمثل القيم في بعض الجوانب، مثل القيم الروحية والأخلاقية والوطنية والمهنية والاقتصادية والقيم الضابطة للمجتمع كله، كما يعتبر الفرد هو أساس كل قيمة، فالأفراد هم جموع الشعب المنتشر داخل المجتمع ومؤسساته وقاعدته العريضة التي يقوم عليها.
الإنسان السوي يتطلع ليرى مجتمعه قد تبوأ مكانًا ومكانة عالية سامقة مرفوعة بين الأمم بآدابه وأخلاقه وأخذه وعطائه ومعاملاته وإنسانيته، فيعمل على ذلك قدر استطاعته على المستوى الفردي والجمعي، وهذا قطعًا يأتي بالجهد والتدريب والمثابرة.
اقرأ أيضاً:
السياج الأخلاقي القيمي وأزمة التربية العربية
لا تشرق شمس حضارة إلا بالأخلاق
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا