واقع الفلسفة الإسلامية ومستقبلها
عُقدت على هامش مؤتمر “الفلسفة والأخلاق”، الذي أقيم في مركز الدراسات الفلسفية في جامعة محمد بن زايد في الإمارات، دائرة مستديرة حول واقع الفلسفة الإسلامية ومستقبلها، شارك فيها جمع كبير من المتخصصين العرب والأجانب، على رأسهم الباحث والمحقق والمستشرق الكبير وصاحب الخبرة الكبيرة بالتراث الفلسفي الإسلامي البروفيسور تشارلس بترورث، والبروفيسور رضوان السيد عميد أستاذ الفلسفة الشهير وعميد كلية الدراسات العليا في جامعة محمد بن زايد، والبروفيسور إبراهيم بورشاشن أستاذ الفلسفة الإسلامية ومدير مركز الدراسات الفلسفية في الجامعة.
المؤتمر الدولي الفلسفي الأول
دار النقاش حول ورقة مهمة أعدها البروفيسور تشارلس، وضع فيها ستة أسئلة محورية مستفيدًا فيها فيما يبدو بالمقولات المنطقية الأرسطية: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ وكم؟ ومتى؟ وأي؟
قصد بها بالطبع أن يثير أذهان المختصين حول ما المقصود بالفلسفة الإسلامية؟ وما ميادين البحث فيها؟ وعلى أي موضوعات ينبغي أن يتركز البحث فيها؟ ولماذا يثار ذلك الآن؟ وهل يوجد سبب خاص لتعلم الفلسفة الإسلامية الآن؟ وما أفضل الطرق لتعليم وتعلم الفلسفة الإسلامية؟ وكم ومتى ينبغي أن نتعلمها؟ وما وضع الفلسفة الإسلامية اليوم في العالم العربي؟ وكيف نستفيد منها قديمًا ووسيطًا وحديثًا؟
الفلسفة الإسلامية المعاصرة ودواعي التجديد
الحقيقة أنها أسئلة ضرورية وكاشفة لمن يريد بالفعل أن يستجلي واقع الفلسفة الإسلامية في البيئة التي نشأت فيها، بقدر ما هي مهمة وضرورية لمن يبحث لها عن دور في العصر الراهن.
بالطبع فقد أدركت على الفور أهمية التفاعل مع هذه التساؤلات، ومن ثم كنت أول من طلب الكلمة، وبعد تحية المنصة والجامعة والزملاء، قلت إن الفلسفة الإسلامية الجديدة التي ننشدها ينبغي أن تكون نقطة البداية فيها الخروج عن دائرة ثنائية الأصالة والمعاصرة، أو التراث والتجديد.
تلك الثنائية التي تبلورت منذ مطلع عصر نهضتنا الحديثة وتسببت في تشرذم المفكرين العرب وتمترسهم حول الحلول الثلاثة الشهيرة، فإما العودة إلى التراث، وإما القطيعة معه والبدء من نهضة الغرب العلمية الحديثة، أو التوفيق أو الجمع بين البديلين (الأصالة والمعاصرة).
منذ تلك اللحظة ونحن كما نحن، كل منا يسأل ويجيب نفس السؤال: من أين نبدأ؟ ويختار إحدى الإجابات الثلاث التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع!
اقرأ أيضاً: الفلسفة وسؤال العنف
أهمية الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث
فإن أردنا النهوض فعلًا علينا في اعتقادي أن نتجاوز ذلك السؤال وتلك الإجابات الثلاث الجاهزة، ونبدأ من النظر إلى الواقع وما يواجهنا فيه من مشكلات تعوق نهضتنا وتقدمنا، ونواجه هذه المشكلات بأفكار وحلول جديدة تواكب العصر، وتستفيد من كل ما فيه أيًا كان مصدره.
إذ لا يهم من أين نبدأ وإنما كيف نحل المشكلة، وكيف نزيل تلك المعوقات وكيف نتفاعل إيجابيًا مع العصر الراهن، ونقدم ما يفيد البشرية ككل، ففي اعتقادي أن الفلسفة الإسلامية الجديدة ينبغي أن تركز ليس فقط على تقديم الحلول لمشكلاتنا المحلية، بل أيضًا تعطي الحلول والمقترحات لقضايا ومشكلات عالمية كبرى.
إن الحضارة العالمية المعاصرة تحتاج لرؤيتنا الإسلامية حول الكون والألوهية، حول تجديد الأخلاق والقيم بما يتوافق مع فطرة الإنسان والحفاظ على إنسانيته المهددة في هذا العصر بالتقدم التكنولوجي والمادي الرهيب.
مشكلات حقيقية أمام الفلسفة الإسلامية في العصر الحاضر
على الفلسفة الإسلامية المعاصرة أن تدلي بدلوها في قضايا الفساد الأخلاقي والحد من آثار التقدم التكنولوجي في الاستنساخ والهندسة الوراثية، وقضايا التغيرات المناخية وتلوث البيئة، والتلاعب في الجينات الوراثية.
عليها التنبيه إلى الآثار الخطيرة للتغاضي عن إقرار الحريات الإنسانية وإطلاقها في عالمنا العربي، وفي ذات الوقت عليها التنبيه إلى الآثار الخطيرة لإطلاق هذه الحريات بلا ضوابط في العالم الغربي، مثل الحريات المتعلقة بزواج المثليين، فتلك الحريات ينبغي أن تتوافق مع الطبيعة الإنسانية ومستقبل الوجود البشري وقوانين الطبيعة!
ربما يكون من المهم هنا الدعوة إلى إطلاق منصة أو مرصد لرصد صور الانحراف الأخلاقي، ودراسة كيفية التعامل معها من خلال رؤى فلسفية ودراسات علمية، تعطي مقترحات وحلولًا لكل ما يواجه عالمنا المعاصر من مشكلات آنية ومستقبلية.
دور الفلسفة الإسلامية في التقدم العلمي
على سبيل المثال لقد تأخر العالم كثيرًا في مواجهة مشكلات التغيرات المناخية الناجمة عن التلوث، حتى أصبحت حياتنا على هذا الكوكب مهددة بالفناء! وفي اعتقادي أن ثمة ما هو أخطر على مستقبل الإنسان والقيم الإنسانية من التغيرات المناخية، إن لم نتنبه إلى ربط التقدم العلمي وكبح جماحه بالقيم الإنسانية العليا، وإعمال التوازن بين مطالب الروح والنفس الإنسانية ومطالب الجسد وإشباع ملذاته!
ذلك هو الدور الحقيقي للفلسفة الإسلامية في هذا العصر، فكما كان دور الفلسفة الإسلامية في عصرها الأول هو التوفيق بين الفلسفة والدين، ربما يكون دورها الآن هو التوفيق بين التقدم العلمي ونتائجه غير محدودة العواقب، وبين مطالب الإنسان الروحية والأخلاقية العادلة.
“منقول بإذن من كاتبه”
مقالات ذات صلة:
العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا