مقالات

الغزو الثقافي – وضياع المستقبل (الجزء الأول)

التباسان

في عالم تزداد فيه وسائل التكنولوجيا تقدما كبيرا وتتقارب فيها المسافات، وتندمج الكثير من الأشياء، وتتفاعل أنماط السلوك الإنساني، يصعب على فهم البعض الحديث عن ( الغزو الثقافي ).

وقد يبدو للبعض وجهة النظر الرافضة لفكرة وجود الغزو الثقافي أو محدودية دوره ، تبدو أكثر قبولًا في ظاهر الأمر، وهذا نتاج عدم التَّمييز بين شيئين مختلفين واعتبارهما شيئًا واحدًا.

وكان لهم الدور الرئيس في تعويم قضية الغزو الثقافي، بالرغم من أن هذان الالتباسان يبدوان شكليان؛ إلا أنهما لهم بالغ الأثر في زيادة الرأي القائل بعدم وجود ” غزو ثقافي ”

أولا: القول بأن من يتبنى فكرة وجود الغزو الثقافي هم أفراد قليلة ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة.
ثانيا: الدعوة لوجود غزو ثقافي هي دعوة تهدف إلى رجعية المجتمع وتخلفه حيث تعتبر التقدم غزو.

حتى بات لا ينظر للحجم الحقيقي لحظر هذا الغزو الذي لا يقل خطورة عن الغزو العسكري، بل لا نبالغ لو قلنا أن ” الغزو الثقافي ” تأثيره وخطورته على الأفراد والمجتمعات أشد خطورة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهذا ما سوف نسرده في سلسلة من المقالات بعنوان (الغزو الثقافي وضياع المستقبل ).

بعيدا عن الجدل والتبرير

يجب أن نؤكد أن مناقشة موضوع الغزو الثقافي، وإبراز ما يمثله من خطر على الفرد والمجتمع يجب ألا يتحول إلي زريعة وقيد على التبادل الثقافي المتكافئ والمطلوب مع العالم، كما لا يجب أن يتحول لزريعة لتبرير التأخر عن ركب التقدم والنمو في إنتاج الثقافة والاكتفاء بالموجود دون تطوير والانكفاء في دائرة العزلة والتقوقع السلبي على الذات.

ولكي نعالج الالتباسين السابقين؛ سوف نختار طريقة بعيدة عن الجدل والتبرير ، سوف نقوم بتوجيه ومواجهة الرافضين لفكرة وجود “الغزو الثقافي” أو ضعف تأثيره ، بمواقف لدول تُصنَّف من دول العالم الأول وهي حليف قوي لرأس حربة الغزو الثقافي ( أمريكا )، دول مثل فرنسا وألمانيا ، سنجد تصريحات من أعلى المستويات بوجود خط الغزو الثقافي وضرورة مواجهته حفاظًا على سلامة المجتمع وحفظ قيمه الخاصة أمام الغزو الثقافي الأمريكي.

مجتمعات تحذر من خطر الغزو الثقافي الأمريكي

أوروبا تتحدث صراحة عن غزو ثقافي أمريكي وتكتسب تلك القضية أهمية خاصة في فرنسا وألمانيا، كما نجد في “روسيا” وهي من القوة الفاعلة على الساحة الدولية تيار مهم ذات طابع ثقافي وفكري وله مضمون اجتماعي وسياسي خاص، يحذر أيضا من خطر الغزو الثقافي الأمريكي على المجتمع الروسي حيث تدعو تلك الدول بكل صراحة إلى إحياء الهوية الوطنية لمواجهة هذا الغزو الأمريكي ، والحفاظ على هويتهم المميزة وثقافتهم الخاصة.

وبكل تأكيد يوجد أيضا في تلك الدول مَن يرفض فكرة وجود الغزو الثقافي ويدعو إلى الانفتاح غير المدروس ، مثلهم كالكثير ممن تأثر واستفاد من النمط الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الأمريكي .

كما نجد في اليابان والذي قد يسمح وقد سمح فعلا ضمن المصالح الاقتصادية والتكتيكات السياسية لتحول بدرجة معينة لصالح أمريكا و أوروبا، لكنه لم يسمح بنفس الدرجة باختراق منظومته القيمية والثقافية والاجتماعية، ونجد الشعب الياباني الذي يواكب كل جوانب التقدم ومظاهر التحديث الأوروبية والأمريكية يعيش ويلتحم بقوة بثقافته وتقاليده وأعرافه الخاصة به.

كما لا يخفى على أي متابع مدى حرص الصين على بناء صرحها الاقتصادي والسياسي الخاص بها مع الحفاظ وبشدة على خصوصية حضارتها من جهة، ومواجهة أغلب أشكال الغزو الثقافي الأمريكي وهذا بالطبع لم يمنعها من التقدم .

من هذا العرض السابق يبدو أن قضية الغزو الثقافي ليست قضية وهمية ليس لها أصل، ولا هي قضية فرعية يمكن التجاوز والتغافل عنها.

أقرا أيضا:

عصر السيولة ومفاهيمه عن الإنتماء وعلاقة ذلك بالغزو الفكري

الاستعمار الفرنسي ومعركة الوعي في إفريقي

الحرب الناعمة