مقالات

السيولة الفكرية

ظهرت السيولة الفكرية مرة أخرى في عصر ما بعد الحداثة، هذا العصر الجديد القديم الذي لم يقدم لنا جديدًا بل اكتفى بإعادة أطروحات قديمة مر عليها الزمان وهشم الحق أصوارها وخسر متبنوها؛ لضعف أفكارهم وعدم سلامتها، ولكن زين المنتفعون  من هذه الأطروحات شكلًا جديدًا من السيولة يتماشى مع الوضع الحالي بحيث ألبسوها ثوب الحرية والحق والعدل والإنصاف، ولكن عن أي حق يتحدثون؟

هل عن الحق الذي هو مطابق للواقع أم الحق وليد المنفعة؟ وهل عن العدل الذي هو إعطاء الحقوق لأصحابها أم العدل المرن الذي يتوقف في استرداد حقوق الغير بينما ينشط ويظهر في المناداة بحق كاتبيه؟ وهل الحرية التي يقصدوها هي أن يخرج الإنسان من قيود الشهوة والغضب وعبودية آراء الغير لينعم بحرية العبادة للخالق أم الحرية التي تخدم أغراضهم ولا تتخطاها.

ولكن كيف تم نشر أفكارهم هذه بينما هي مخالفة للواقع؟ وكيف ارتضاها العامة وأيدوها وأنشدوا لها؟

منطق القوة ومنطق المنفعة

فما بين منطق القوة الذي يقوم علي مبدأ البطش بالخصم وفرض الرأي بأي وسيلة كانت،   ومنطق المنفعة الذي نراه قد ازداد بشكل غير مسبوق أو معقول  نتيجة لما صنعوه من ضغوط في المجتمعات، واستغلال جهل الطبقة العريضة والعقل الجمعي، وفساد النخب، وبإقصاء قول الحق أسقطوا منطق الحق وخالفوا الفطرة السليمة بعد أن أثبتوا جدلًا بنفس الآليات أن الأخلاق نسبية، فهي صحيحة ما دامت تنفعني أما إن كانت خلاف ذلك فلنضرب بها عرض الحائط

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبعد هذا كله وبطرق الإقناع القسري أو غسيل الدماغ جعلوا من أتباعهم أمثال بشر؛ بحيث استطاعوا أن يقنعوهم وببساطة أنهم فقط أفواه تأكل ونشوة تمارس وعقول تستجيب ولا تفكر، لايحتاجون سوى للأكل والشرب والمتعة، وأصبحت هذه الوسائل في هذه المرحلة هي كل ما يحتاجونه للسيطرة على الشعوب، وليتم هذا المخطط  فلا بد من إلهاء الناس بشئ ما!

 مفهوم الوطنية والانتماء في عصر السيولة

وهذا ما جعل المنتفعون يقومون بصناعة مفهوم آخر للوطنية، واصطلاح مختلف للانتماء الذي يخدم أيضا مصلحتهم بحيث لا تهتم بالمحكومين، ومراعاة مصالحهم واحتياجاتهم إضافة إلى تعميق أواصر علاقاتهم الاجتماعية وصلتهم بالأرض والوطن، بل تهتم بمصلحة الحاكمين، فتمثلت الوطنية في حب المسؤولين ومدحهم و وتجسد الانتماء في تنفيذ وصاياهم بدون تفكير أو مراجعة.

وعندما وصل التمركز حول هذا المفهوم المختلف للوطنية منتهاه، تم اختزال الشعب في مسمى “الدولة” وكأنهم حروف لهذا الاسم، فلا يتمتعون إلا بما يتيحه المسؤولون لهم من فرص ويلتزمون بكل ما تلزمهم به “الدولة” التي هي شخص افتراضي  يمتلك الواقع  في الصورة بينما  في الحقيقة يمتلكه المتحكمون في الدولة وهم المنتفعون بكل هذا، ولأن لفظ الوطنية يرتبط  بالدولة ارتباطًا وثيق الصلة فجعلوه أيضا اعتباريًا؛ بأن أصبحت الوطنية ليست هي أفراد الشعب بل  المؤسسات والشركات والهيئات،

وليستمر الحال على ما هو عليه أنشأ المنتفعون مسميات يجهل معظم الشعب معناها وخلقوا مناصب ليس لها دور سوى تضليل الشعب وجعل لهم رواتب للتضليل وراتب للسكوت فتقاضوا أعلى الأجور، وهكذا انتصرت الدولة في مجال السيولة وأصبحت هي التي تشرع الثوابت التي تخدمها، فثوابتها اليوم تختلف عن الأمس والغد،

فمصلحة أصحاب الدول أعلى من الدول والشعوب، ووصل بهم الحال إلى أقصى درجات القبح والظلم فبدؤوا بالسيطرة الفكرية الثقافية (والعسكرية إذا اضطروا لذلك) على باقي الدول التي اختلت رؤيتها بسبب قلة نخبها الصالحة وضعف التعليم والفقر، ولا تأخذ البلاد السيولة جملة بل تأخذها قروضا وشروطا وفروضا..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الغزو الفكري

وكما أن المرض الخبيث يظهر مرة واحدة، يظهر ثمار هذا الغزو الفكري بعد فترة فتنقلب الأحوال رأسا على عقب وعلى حسب جهاز المناعة يتم مقاومة المرض، لذلك يتوجب علينا أن نعامل هذا الغزو الفكري والمفهومي على أنه مرض فنبدأ بالتحصين  والابتعاد عن مسبباته وبالتحذير من خطره وبتقوية جهاز المناعة عن طريق إبراز النخب الصالحة وتيسير متطلباتها. فهذا المقال المطلوب منه هو أن يحثنا على أن نتعرف على المشكلة ومن ثم نبدأ في المواجهة والمقاومة.

السؤال الذي يطرح نفسه كيف تتم المواجهة والتغلب على هذا الاستعمار الفكري؟
أولًا: بالتعرف على أساليبه ورفضها، فلنقاطع تلك النظرة الدونية التي تتمثل في سياسة الاستهلاك فنحن لسنا آلات استهلاكية..

ثانيًا: بانتقاء النخب التي تقود هذه االمواجهة.

ثالثا: أن نتحمل أعباء هذه الحرب ونعلم أننا نقاتل من أجل إقامة العدل والتحرر من قيود العدو

فالإنسان إما أن يقول لا أستطيع تغيير الواقع فيستسلم له ويبدأ في التكيف معه بأي وسيلة كانت  وهذا يجعله منافقًا كما الحرباء، وإما أن يتحول عدم الرضا بهذا الواقع إلى البحث عن الحل وبعد الوصول للمعرفة السليمة تتحول هذه المعرفة إلى سلوك سليم للتغيير.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً .. لماذا لا يعود الحضري إلى الأهلي

اقرأ أيضاً .. كيف أتغلب على الخجل ؟

اقرأ أيضاً .. أنا مكتئب

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مؤمن أحمد سيف

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة