أسباب العنف ضد المرأة في المجتمع العربي وكيفيه علاجه
صورة مهتزة رديئة تبدو من إحدى كاميرات المراقبة التي تنتشر في شوارعنا ومنازلنا للتأمين، تجري فيها امرأة بمنامتها وقد علت على ملامحها آيات الخوف الشديد، قبل أن يلحق بها رجل انهال عليها ضربًا بعصا في يده، حتى تضرج وجهها بالدماء.
مشهد آخر من كاميرا تهتز ويبدو أنها من جوال أحد شهود الواقعة، وقد تكالب عدة رجال وامرأة على شابة بالضرب، ولم يشفع لها وجود طفلة في أحضانها ولا سقوطها أرضًا كي تتوقف تلك الضربات العنيفة ولكن دون جدوى.
للأسف الشديد فتلك المشاهد التي ذكرتها ليست من وحي خيالي، ولا مشاهد سينمائية لفيلم سوداوي ما، ولمزيد من الأسف فإن تلك المشاهد ليست بين غرباء أو أعداء، إنما هي بين زوجين، جمعهما الرباط المقدس، وأظلهما سقف واحد، وهما مشهدان واقعيان أصبحا أكثر تكرارًا مما ينبغي، معبرين عما يمارس ضد المرأة من عنف بصور ومظاهر عدة.
العنف ضد المرأة
طبقًا للأمم المتحدة فإن تعريف العنف ضد المرأة: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه -أو يرجح أن يترتب عليه- أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو النفسية”، فهو عنف يوجه للمرأة من حيث كونها مرأة.
وهو عنف حقيقي وموجود، ولكن النظرة الجزئية التي تتغافل عن حقيقة العنف بالأساس هي التي ترى في العنف ضد المرأة عنفًا مدفوعًا من عصبية الجنس أو النوع!
فالعنف في حقيقته هو تعمد الأذى، سواء كان هذا الأذى بالقول أو الفعل، وهو في حقيقته ينبع من فكرة الاستقواء على الضعيف، وهو الضعيف بدنيًا (المرأة أو الطفل) أو الضعيف نفسيًا، أو ضعيف المكانة الاجتماعية، أو نقص الدعم.
لذا فإنه لن يكون مستغربًا أن تجد أن ثلث نساء العالم قد تعرضن للعنف، وهي نفس نسبة الطلاب الذين تعرضوا للتنمر، أو ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية من تعرض ما يقرب من مليار طفل للعنف!
العنف يا صديقي هو نتاج خالص للفكر المادي، فمن أساسيات الفكر المادي الإيمان بالقوة وحق القوة بكل أشكاله وصوره، قوة مادية أو قوة العدد.
ومع تنامي الفكر المادي في المجتمعات الإنسانية فمن الطبيعي أن ترى ارتفاعًا محمومًا في مظاهر العنف خاصة تجاه الفئات المستضعفة.
تعرفي على العوامل والأسباب المؤدية إلى انتشار الجرائم بين الأزواج
إليك الدليل كيف نتجنب مشكلة الطلاق من البداية!!
ما هي أبرز مشكلات الأسر حديثة التكوين
أسباب العنف ضد المرأة
1- غياب الوعي
مع غياب الوعي بدور المرأة كأحد طرفي الأسرة التي هي نواة المجتمع الأساسية، والشريك الفاعل في بناء المجتمع، وكذلك الجهل بحقوق المرأة وواجباتها، يسهل ارتفاع الممارسات الجسدية العنيفة.
2- الفهم الخاطئ لأدوار المرأة
مع الجهل وغياب الوعي، تنامت الأفكار الخاطئة عن دور المرأة المحوري في الأسرة، وأصبح التقليل من دور “ربة المنزل” نغمة معتادة، ساعدها ظن بعض الرجال أن الإنفاق على الأسرة هو فضل يتفضل به على عائلته! وليس دوره وواجبه الذي يتسافل بإهماله أو التقصير فيه.
ومع هذا الفهم الخاطئ ومع تنامي الفكر المادي، أصبحت المعادلة المؤمنة بحق القوة ترى في ربة المنزل طرفًا ضعيفًا بدنيًا وجسديًا من حيث هي مرأة، وضعيفًا اقتصاديًا من حيث هي ربة منزل.
3- غياب المجتمع الأنثوي
ليس المقصد هنا مجتمعًا أنثويًا معاديًا للرجل أو داعيًا لانقسام المجتمع، وإنما هو مجتمع أنثوي حاضن وداعم لمشاركة مجتمعية آمنة للمرأة، يمكن من خلالها مراعاة الضوابط العقلية والدينية التي تراعي دور المرأة في نهضة المجتمع، وذلك بتوفير المناخ المناسب لتلك المشاركة.
4- الفهم الخاطئ لأدوار الرجل
كما أسلفنا فيذهب البعض إلى تهميش وجوبية إنفاق الرجل على أسرته، بل وينسى أن هذا الانفاق هو محور دوره كرب أسرة وزوج.
5- النظرة المادية لمنظومة العلاقات الإنسانية
مع الطرح المادي للزواج ومظاهره، والتي تحصر الزوج المناسب في شقة وسيارة ووظيفة جيدة، والزوجة المناسبة في وجه جميل وجسد ممشوق، أصبحت النظرة إلى العلاقات الزوجية تحكمها المادية وما يعنيه هذا من حكم للقوي أو تقييم للزوج والزوجة بناءً على ما يستطيع كل منهما تقديمه ماديًا فقط!
6- تطبيق القوانين
لعل أبرز مشاكل المرأة هي في تطبيق القوانين وليس غيابها، فالقوانين الشرعية والقانونية موجودة وكفيلة بإرساء جزء مناسب من العدالة، ولكن في المقابل نرى غيابًا لتطبيق تلك القوانين، بدءًا من المواريث وانتهاءً بالقوانين المناهضة للعنف ضد المرأة.
اقرأ أيضًا كيف نظر الأبنودي لعمل المرأة
تعرف على أبرز مشكلات المرأة الريفية في مصر
تعرف على حوادث مؤسفة تكشف لنا أحوال المرأة في المجتمع الغربي
أشكال العنف ضد المرأة
- العنف الجسدي: بالضرب أو الاعتداء أو الانتهاك الجسدي أو الجنسي.
- العنف النفسي: بالتلاعب النفسي والابتزاز العاطفي.
- العنف اللفظي: بالسب أو التحرش اللفظي.
- العنف الاقتصادي: تقصير الزوج في الانفاق على الزوجة والأسرة بالقدر المعقول، أو سلب المرأة حقوقها المادية مثل المواريث.
علاج مشكلة العنف ضد المرأة
- تفعيل دور النخب الثقافية والرياضية والفنية والدينية للتوعية بالدور الحقيقي للمرأة والرجل في المجتمع، والتأكيد على كونهم طرفي جسد واحد وهو المجتمع.
- التوعية بحقوق وواجبات المرأة والرجل في المجالات الحياتية والأسرية.
- خلق وإيجاد مجتمع حاضن لنشاطات المرأة بشكل آمن وصحي.
- تفعيل القوانين الخاصة بمكافحة العنف ضد المرأة ومراقبة تطبيقها.
العنف ضد المرأة في المجتمع العربي
على عكس الأصوات التي ترى العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية نابع من الثقافة العربية خاصة أو من بعض التشريعات، فإن الواقع يتنافى مع ذلك الادعاء تمامًا.
بل وتتأكد معه أن تلك الأصوات هي معادية دون اطلاع لتلك التشريعات، أو ربما تتحلى بنظرة دونية تجاه الفكر والثقافة العربية.
التشريعات التي تعطي للرجل القوامة إنما أتت معها مسؤوليات واضحة، يؤدي تقصيره في أدائها إلى إسقاط قوامته.
كما أن الثقافات الغربية ومجتمعاتها كذلك تعاني من تزايد في ظاهرة العنف ضد المرأة، وهو ما يؤكد ما سبق من أن تلك الظاهرة هي نتاج للفكر المادي الذي تغلغل في الثقافات -عربية وغربية- من خلال الغزو الفكري، ليصبح حق القوة هو المسيطر على تلك الثقافات، وما ينتج عنه من عنصرية وعنف.
نتائج العنف ضد المرأة
المرأة طرف أصيل وفاعل في المجتمع، ولا شك أن للعنف تجاه المرأة آثاره التي تتجاوزها لتؤثر في المجتمع بأكمله.
التأثير النفسي
- يصنع شخصية جبانة وضعيفة، تلجأ للكذب بسهولة في محاولة لحماية نفسها من العنف.
- فقدان الثقة في الشريك بشكل خاص وفي الطرف الآخر للمجتمع.
- العنف يولد مزيدًا من العنف، خاصة تجاه الفئات الأضعف.
- التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
التأثير الاجتماعي
- ارتفاع نسب الطلاق والتفكك الأسري.
- تأثر العملية التربوية بشكل مباشر، بما للعنف من آثار على الأم أو على الأطفال.
- ارتفاع الحركات النسوية المناهضة للرجل والداعية لبعض القوانين غير الواقعية.
- فقدان المجتمع للقدرات الإنتاجية -فكرية أو مادية- لأحد أضلاعه.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا