مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل واليقين – الجزء الثاني

أركانُ اليقينِ الأربعة

في دردشتنا السابقة “العقل واليقين (الجزء الأول) ما اليقين؟” حدثتُك -صديقي القارئ صديقتي القارئة- عن اليقين بمعناه الأعم، وهو ليس بمقصد للفيلسوف ورجل المنطق، واليقين بمعناه الأخص، وهو مقصد الفيلسوف ورجل المنطق. كذلك تعرفنا نوعَ القياس البرهاني اليقيني، وأنواعَ الأقيسة غير البرهانية، غير اليقينية. في هذه الدردشة نتحدث عن أركان القياس اليقيني الأربعة، الواجب توافرها في كل قضية لكي يجوز لنا وصفها باليقين المنطقي البرهاني:

لليقين أركانٌ أربعةٌ لا يتحقق إلا بتواجدها، لكي يكون قياسًا برهانيًا:

الركن الأول:

الجزمُ بثبوتِ المحمولِ للموضوع (في قولنا: “كل إنسان يموت” هي قضية/ جملة تتكون من موضوع ومحمول، ويسمي الموضوع والمحمول في النحو بالمبتدأ والخبر، أو بالمسند إليه والمسند، أي الجملة التي تفيد معنى تامًا يحتمل الصدق أو الكذب.

الموضوع في مثالنا السابق هو كلمة “إنسان”. (ويسمى الموضوع  في النحو المبتدأ)، والمحمول هو كلمة “يموت”، (ويسمى المحمول في النحو الخبر)، وكذلك قولنا: “2 +2(موضوع) = 4 (محمول)”.

فكل إنسان يموت: جملة تامة المعنى مكونة من موضوع ومحمول. ويجب أن نجزم بثبوت المحمول (الموت) للموضوع (الإنسان).

إذن يتحقق الركنُ الأولُ لليقين بثبوت المحمول للموضوع (ثبوت الموت (المحمول) للإنسان (الموضوع). وكذلك ثبوت الأربعة “المحمول” لــ2+2″الموضوع”). والجزم (أي القطع بدرجة مائة في المائة) يكون مقابل الظن والشك والوهم والاحتمال.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
الركن الثاني:

الجزمُ باستحالةِ انفكاكِ المحمولِ عن الموضوع. (في مثالنا السابق يكون الجزم باستحالة انفكاك الموت عن الإنسان، فالموت لا ينفك عن الإنسان، ومستحيل أن ينفك عنه، و4 يستحيل أن تنفك عن 2+2، فتكون ثلاثة أو خمسة مثلًا).

فإذا أمكن انفكاك المحمول عن الموضوع لا تكون القضية يقينية (كما إذا رأيت شخصًا جالسًا أمامك، يحصل لك الجزم بثبوت الجلوس له، ولكن يمكن أن ينفك عنه (يزول) بعد ساعة من الوقت بأن يقوم فلا يحصل لك الجزم باستحالة انفكاك الموضوع عن المحمول ومثل هذه القضية لا تسمى يقينية).

الركن الثالث:

أن الجزمَ بثبوتِ المحمولِ للموضوع لا يزول دائمًا وأبدًا (أي أن الجزم بثبوت الموت للإنسان لا يزول، أي نظل دائمًا أبدًا نجزم بأن الموتَ مُلازمٌ ثابتٌ للإنسان، وأن الجزم بأن الأربعة ثابتة ل2+2 لا يزول دائمًا أبدًا، أي أن يكون الجزم دائميًا غير قابل للنقض).

الركن الرابع:

أن الجزمَ باستحالةِ انفكاكِ المحمول عن الموضوع لا يزول دائمًا وأبدًا (أي أن الجزم باستحالة انفكاك الموت عن الإنسان لا يزول، أي يظل دائمًا أبدًا، فلا يكون هناك زمان ولا مكان لا يثبت فيه الموت للإنسان، بل الموت ملازم للإنسان دائمًا وأبدًا، فالناس يموتون في الماضي والحاضر والمستقبل، والأربعة ملازمة لا تنفك عن 2+2 دائمًا وأبدًا).

إذن القياس البرهاني:

هو القضية التي يوجد فيها جزم بثبوت المحمول للموضوع، وجزم باستحالة انفكاكه عنه، والجزم الأول لا يمكن زواله، والجزم الثاني لا يمكن انفكاكه.

فالقياس: كل إنسان يموت – محمد إنسان – إذن محمد يموت: قياس برهاني يقيني، لأنه تتوفر فيه أركانُ اليقين الأربعة: الجزم بثبوت المحمول للموضوع، الجزم باستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع، أن الجزم بثبوت المحمول للموضوع لا يزول دائمًا وأبدًا، أن الجزم باستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع لا يزول دائمًا وأبدًا.

ويُسمى هذا القياسُ قياسًا برهانيًا يقينيًا. فكل قضيةٍ لكي تكونَ يقينيةً برهانيةً لا بد فيها من توفر اعتقادين: الأول: الاعتقاد بمضمون القضية (كل إنسان يموت)، الاعتقاد الثاني: أن ذلك المعتقد لا يمكن نقضه (أي لا يمكن إثبات نقيضه بأن نقول: كل إنسان لا يموت).

وتنقسم القضايا اليقينية إلى قسمين رئيسين: أوليّة بديهية ونظرية كسبية، وهذا هو موضوع دردشتنا القادمة بإذن الله.

اقرأ أيضاً:

العقل والنص

ما قبل العقل وما بعده

بالمنطق تتضح الأمور

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج