قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الخامس والأربعون

المدرسة المشَّائية: (43) ابن رشد وكتبه: "فصل المقال"، "مناهج الأدلة"، "تهافت التهافت"

الفلسفة والتأويل (11): جدل الظاهر والمؤول

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة (ج 44) جدل الظاهر والمؤول (10): ثالثًا: قوانين التأويل وقواعده الرئيسة: [و] أخلاقيات التأويل.

ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ لفلسفة التأويل الرشدية: جدل الظاهر والمؤول، إذ يحلل ابن رشد دور العقل التأويلي في المجتمع.

ح. التأويل والمجتمع: من التأويل غير البرهاني نشأتِ الفرقُ ففرقت الناس

حللنا الجانب الأخلاقي في التأويل الرشدي، والآن نحاول تحليل الجانب السياسي والاجتماعي للتأويل. يحلل ابن رشد العلاقةَ بين “العقل التأويلي” و”المجتمع” الذي يتوجه إليه هذا العقلُ بالتأويل، وهو ضابطٌ آخر من الضوابط التي يضعها ابن رشد قيدًا على العقل التأويلي المنفلتْ من قيود المنطق العقلي، وحتى لا يكونُ التأويلُ تقولًا على النص، أو على المجتمع، تقولًا غير برهاني أو غير عقلي، فالعقل التأويلي لا يتوجه بخطابه إلى الفراغ، بل إلى مجتمع يسعى إلى تنويره والأخذ بيده، سعيًا نحو تقدمه وتطوره، وإلا كان التأويلُ غير البرهاني ضررًا وكارثةً على المجتمع كله. يقول ابن رشد في كتابه: (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشُّبه المزَّيّفة والبدع الضالة):

“ولما تسلطَ على التأويل في هذه الشريعة مَنْ لمْ تتميزْ له هذه المواضعُ، ولا تميزَ له الصِنْفُ من الناس الذين يجوز التأويلُ في حقهم، اضطرب الأمرُ فيها وحدثَ فيهم فِرقٌ متباينةٌ يكفرُ بعضُها بعضًا. وهذا كله جهلٌ بمقصد الشرع، وتعدٍ عليه. وقد آذاها –يعني الحكمة– كثيرٌ من الأصدقاء الجهال ممن ينسبون أنفسهم إليها، وهي الفرق الموجودة فيها. والله يسدد الكلَ، ويوفق الجميعَ لمحبته، ويجمع قلوبهم على تقواه، ويرفع عنهم البغض والشنآن بفضله ورحمته”.

إذًا:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

–   التأويل لا يجبُ أن يكون تقولًا على النص أو على المجتمع.

–   التأويلات لا ينبغي أن تكون في عَرْضِ التأويل، أعني لا تكون متناقضةً مكفرةً بعضها بعضًا، إما هذا التأويل وإما ذاك.

–   التأويلات يمكن أن تجتمع وتتجمع تجمع الدليل مع الدليل، والبرهان مع البرهان إن كانت في طول التأويل لا في عرضه.

ط. الطرق القرآنية: أفضل الطرق لتعليم الناس

يرى ابن رشد أنَّ أفضلَ الطرق لتعليم الجمهور الطرق التي ثبتت في الكتاب فقط: “فإن الكتاب العزيز إذا تُؤمَّل وجُدتْ فيه الطرقُ الثلاثُ [1] الموجودةُ لجميع الناس، [2] والطرقُ المشتركةُ لتعليم أكثر الناس، [3] والخاصةُ”. ويقول ابن رشد في كتابه المهم “الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة”: “إن دليلي القرآن في إثبات وجود الصانع منحصرة في دليلين: [1] دليل العناية، [2] ودليل الاختراع. وتبين أن هاتين الطريقتين هما بأعيانهما طريقة الخواص –وأعني بالخواص العلماء– وطريقة الجمهور. وإنما الاختلاف بين المعرفتين في التفصيل”.

إذًا:

–   طرق الشرع الثلاثة أفضل الطرق لتعليم الناس.

[ي]. إعجازُ الأقاويل الشرعية

وليست الأقاويلُ الواردةُ في الكتاب العزيز فقط –من وجهة نظر ابن رشد– تحدد أفضل الطرق لتعليم الناس، بل هي طرقٌ تتصفُ بصفة الإعجاز الإلهي، وفي ذلك يقرر ابن رشد:

“فإن الأقاويلَ الشرعيةَ المُصرحَ بها في الكتاب العزيز للجميع لها ثلاثُ خواصٍ دلتْ على الإعجاز: “إحداها: أنه لا يوجد أتم إقناعًا وتصديقًا للجميع منها. والثانية: أنها تقبل النُصرةَ بطبعها إلى أن تنتهي إلى حد لا يقف عند التأويل فيها، إن كان مما فيها تأويل، إلا لأهل البرهان. والثالثة: أنها تتضمن التنبيهَ لأهل الحق على التأويل الحق. وهذا ليس يوجد لا في مذاهب الأشعرية ولا في مذاهب المعتزلة: أعني أن تأويلَهم لا يقبل النصرة ولا يتضمن التنبيه على الحق ولا هو حق، ولذلك كثرت البدع”.

إذًا:

–   إن أقاويل الشرع قابلةٌ للتصديق من الجميع، لأنها تراعي مستويات الفهم المتباينة عند الناس جميعًا، ولا يوجد أتم إقناعًا وتصديقًا منها.

–   إن أقاويل الشرع تقبل النصرة بطبعها، وتقبل التأويل فقط من أهل التأويل.

–   إن أقاويل الشرع تتضمن بذاتها التنبيه الحق إلى مواضع التأويل الحق.

خلاصة تأويلية: إذًا: طرق الشرع: خطابٌ واحدٌ، ذو مستوياتٍ ثلاثةٍ، لا ثلاثة خطابات كما ظُنَّ تقولًا على ابن رشد.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نختتم رحلتَنا التأويليةَ مع ابن رشد وكتبه: “فصل المقال”، “مناهج الأدلة”، “تهافت التهافت”: الفلسفة والتأويل (12): جدل الظاهر والمؤول: خلاصة تأويلية لهرمنيوطيقا ابن رشد.

اقرأ أيضاً:

الجزء الثاني والأربعون من المقال

الجزء الثالث والأربعون من المقال

الجزء الرابع والأربعون من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج