نرى تاريخنا بالطريقة التي كتبها الغرب
إحدى المشاكل الأساسية التي تعاني منها عقولنا وعقول شعوبنا أننا نرى أنفسنا من خلال نظرة الغرب لنا، نرى تاريخنا بالطريقة التي كتبها الغرب في أثناء القرن التاسع عشر في عصر الاستعمار، حين كان الغرب في قمة قوته ونحن في قمة ضعفنا!
نظرة العقل الاستعماري الغربي للشعوب الآخرى
كثير من الأفكار والمصطلحات في حياتنا لا تزال تعتمد على أفكار العصر الاستعماري الأوروبي ومصطلحاته في القرن التاسع عشر، نرى أنفسنا من خلال كتابات الغرب وأفلامه وقصصه وأفكاره!
المسلم الضعيف المتخلف العنيف، أو الغربي الخارق المتحضر المتقدم، أو الصيني الماكر غير النظيف، والهندي الفقير المستسلم، والإفريقي الجائع العاجز محدود الذكاء والقدرات، إلخ.
مثلًا مصطلح الحروب الصليبية مصطلح أوروبي، وتاريخ الحروب الصليبية مبني على تمجيد قوة مجموعة عصابات إرهابية تافهة قادمة من غرب أوروبا المتخلف، والمبالغة في أن العالم الإسلامي ضحية لهذه العصابات، هذا العالم الإسلامي الذي كان في هذا الوقت العالم القوي الغني المتقدم، رغم أن هذه الحروب حدثت في قطعة أرض صغيرة جدًا جدًا من العالم الإسلامي، لا تتجاوز 1% من مساحة بلاد الإسلام.
كيف يترجم الغرب ليؤكد فكرته عن الشرق المتخلف؟
بل إن كثيرًا من المراجع الإسلامية لا نعرف عنها أي شيء، ونعتمد على ترجمات الغرب لها! ويحكى كيف أن هذه الترجمات تغير من معاني النصوص، وتتلاعب كي تقدم الصورة التي تناسب الغرب ومزاجه.
لذلك مثلًا نجد ترجمات كتب ابن رشد، أو مثلًا جلال الدين الرومي منتشرة في الغرب، وتقدمه أنه شخص بوذي أو أفكاره تشبه أفكار الهندوس، رغم أن الترجمات الصحيحة لكتاباته الفارسية تقدم صورة مختلفة تمامًا.
مثلًا تشجيع ترجمة الروايات الغربية التي تتحدث عن أن المرأة المسلمة مظلومة ومضطهدة، والرجل المسلم متوحش وعنيف، لأن هذه الكتب والروايات تناسب المزاج الغربي اليوم! أو كما تم تغيير كثير من معاني التوراة والإنجيل وكلماتهما، في أثناء ترجمتهما من أصولهما الشرقية إلى الغرب لتناسب ميول المترجم وأهوائه! أو كما يقول المثل الإنجليزي: “ضاعت في الترجمة” (Lost in translation).
تأثير العقل الاستعماري الغربي
المشكلة أن الجميع، سواء متغرب يتبع الغرب، أو أصيل يريد إحياء الهوية العربية والمسلمة، يعتمد على روايات الغرب عنا وقصص الغرب عنا وعن حضارتنا وطريقة رؤيته لنا، ويستعمل نفس مصطلحات الغرب عنا.
هناك كتاب شهير اسمه (the museum of other people)، يحكي أن منظومة المتاحف التي صنعت عقل الغرب الاستعماري في القرن التاسع عشر، ولا تزال تؤثر في عقول كثيرين حتى اليوم، تعتمد على أن المستعمر يختار المقتنيات والمعروضات التي تناسب وجهة نظره عن الشعوب الأخرى أو عن التاريخ، ثم يعرضها أمام الزوار، ليُشعِر الزائر أن هذا هو التاريخ الحقيقي وأن هذه هي الأدلة كلها عن هذا التاريخ.
لذلك تنتشر فكرة نظرية داروين، لأن المتاحف تقدم معروضات ورسومات تتناسق معها، وتنتشر نظرية الأوروبي القوي والإفريقي المتخلف، لأن الصور والمعروضات في المتاحف والأفلام والكتب والصحف تتناسق وتخدم هذه النظرية.
تنتشر نظرية المسلم العنيف المتخلف والمسلمة المغلوبة على أمرها، لأن القصص والحواديت والمعروضات والأفلام تنشر هذه الفكرة، ونظرية المسلمين المتخلفين وأن حضارتهم مجرد مرحلة مؤقتة بين اليونان وبين العصر الحديث.
خرافات علمانية صنعها العقل الاستعماري الغربي
أيضًا خرافات العلمانيين الذين لا يعرفون عن حضارتنا وديننا غير ما يقوله الغرب لهم، من تحليلات وأفكار استعمارية عنصرية عفى عليها الزمن، نظريات تصطنع أن الغرب هو المرجع والمقياس المتميز، ينظر إلينا بفوقية وتكبر، وعلينا نحن الشعوب الأقل أن نسعى إلى إرضائه والتشبه به!
كثير من الخرافات التي زرعوها في عقولنا حتى صدقناها، وأصبح كثيرون من شعوب العالم لا يزال يعيش عقله في القرن التاسع عشر، ولا يزال يصدق تخاريف الغرب العنصري وتزويره الذي صنعه عن نفسه وعنا، حين كان قويًا ومنتصرًا في القرن التاسع عشر.
تحرُّر العقل يحتاج أن نعيد اكتشاف أنفسنا بأنفسنا، وتاريخنا بأنفسنا، دون أن نضع الغرب وسيطًا بيننا وبين تاريخنا وحضارتنا وهويتنا وديننا.
أن نثق بقدراتنا وبأن الغرب كان قويًا، مجرد مرحلة من التاريخ وتنتهي بالتدريج، كما انتهت مراحل أخرى كثيرة عبر التاريخ، وكما كنا أقوياء وأصابنا الضعف، فمن الطبيعي أن نستعيد مركزنا وقوتنا يومًا ما بالتدريج.
مقالات ذات صلة:
ما هو الاستعمار، وما هي دوافعه
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا