السينما العالمية والشرق
تبدأ قصتنا في هذا الموضوع من المرحلة الكولونيالية الاستعمارية؛ استعمار الغرب للشرق تقريبا في عصر ضعف وانحطاط الدولة العثمانية وسُميت وقتها بالرجل المريض، وبالتبعية لذلك أصبحت الدول التي كانت تحت سيطرة العثمانيين لقرون مضت محل مطمع الدول الغربية الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإسبانية والإيطالية، ولترسيخ هذا التوجه الاستعماري وتثبيته وتبريره كان دور المستشرقين الذين ذهبوا لبلاد الشرق تحت مسميات مختلفة إما رحالة أو سياح أو طلاب علم أو دبلوماسيين لإثبات بربرية الشرقيين وجهلهم وتخلفهم وأنهم أشبه بالحيوانات في عاداتهم وتقاليدهم وإنهم يستحقون الاستعمار لتهذيب سلوكهم وترقية أحوالهم .
وكما يقول المفكر الفلسطيني “إدوارد سعيد” أن كتابات هؤلاء المستشرقون أسهمت في تقسيم العالم لغرب التقدم والحضارة والرقي وشرق التخلف والرجعية والجهل والمرض، وأصبحت كتاباتهم مرجعا لمراكز الدراسات السياسية للغربيين في وقتنا هذا عند أخذهم موقف سياسي فيما يخص بلاد الشرق.
كما كان أيضا لكتابات المستشرقين تأثيرها على السينما العالمية وبالأخص الهوليودية، فعند إنتاجها أفلام عن بلاد الشرق فإنها تُراعي النظرة الإستشراقية الاستعمارية للشرق وعندنا من الشواهد الكثير من الأفلام العالمية الغربية التي نظرت لبلاد الشرق بنظرة استعلائية فوقية كلها احتقار وازدراء بالآخر غير الغربي ومنها :-
الأفلام القديمة التي تناولت بلاد الشرق
فيلم” لص بغداد”
الذي أنتج في المملكة المتحدة البريطانية عام 1940 والذي اعتُمد في تصويره للعرب على حكايات ألف ليلة وليلة الأسطورية حيث النساء أصحاب البراقع الذين لا هم لهم غير إمتاع رجال السلطة في القصور، والغلمان الذين يفوتون على حاشية السلطان بكؤوس الخمر.
ذلك غير الرجال الذين يحملون السيوف لقطع رقاب المعارضين، وإذا انتقل المخرج بكاميرته خارج القصور؛ فإنك تجد النخاسين الذين يبيعون الجواري والعبيد في الطرقات والأسواق أو تجد الصحاري والجمال والرجال الملثمين فوق الجمال وكأن كل بلاد العرب صحاري ولم يكن فيها وقتها مدن وحواضر وعمران.
سلسلة أفلام “إنديانا جونز”
والذي يقوم ببطولتها “هاريسون فورد” والذي أُنتج في الثمانينات وأغلب أجزاء هذه السلسلة تتحدث عن بلاد الشرق مرة مغامرة في مصر، وأخرى في بلاد الهند، وفي جزء آخر يُطارد البطل الجيش الأحمر السوفيتي، في الجزء الذي تتناول أحداثه الحياة في مصر” سارقو التابوت الضائع ” وقت الحرب العالمية الثانية يظهر فيه المصريون يحملون السيوف،
ويخرج على البطل في أحد المشاهد مصري يهاجمه بسيف فيخرج البطل مسدس فيقتل المصري في الحال مع علامات الاستهزاء والسخرية المرتسمة على وجه البطل مع التعجب من جهل وتخلف المصري هذا، غير تصوير الفيلم لمصر بأنها مجرد صحراء وجمال وأشخاص يلبسون الطرابيش والتي هي رمز التخلف في المخيال الغربي.
وأما الجزء الذي يخص بلاد الهند؛ فالفيلم يظهر كالعادة كغيره من الأفلام التي تتحدث عن الشرق فيلم” معبد الهلاك” يظهر الهنود من ناحية الملبس والعادات والتقاليد دون الإنسان الغربي، فالفيلم يظهر استعباد الهنود للأطفال وتسخيرهم للعمل في المناجم تحت سيطرة السحر الأسود الهندي ويأتي الإنسان الغربي الدكتور جونز لينقذ الأطفال من الاستعباد والخرافة .
الأفلام الجديدة التي تناولت الشرق
إذا تحدثنا عن هذه الأفلام فخير مثال عن هذه الأفلام أجزاء فيلم المومياء الذي أنتج عام 1998م وفيه الممثل الإسرائيلي “عودد فهر” المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية يُمثل الشخصية المصرية ويظهرها بالجبن والنذالة والخيانة مثل فيلم “المومياء” و”عودة المومياء”
وقرأت أن “إسرائيل” عاتبته عتابا شديدا لأن أداءه التمثيلي في فيلم عودة المومياء لم يكن كفيلم المومياء من حيث إظهار الشخصية المصرية في أسوأ حالاتها، ذلك غير إظهار سلسلة أفلام المومياء الحضارة الفرعونية بحضارة الوحوش الآدمية المفترسة كدعاية مناهضة للحضارة الفرعونية.
والكثير الكثير من الأفلام في هوليود التي تُسئ للشرق و التي لا يتسع المقال لذكرها. لقد أستطاعوا أن يجعلونا ننبهر بهوليود ووضعوا لنا السم في العسل كما يقال، وهدف هذه الأفلام هو أن يفقد الآخر غير الغربي ثقته بنفسه و عاداته وتقاليده وثقافته، وأن يؤمن أن وجوده مرتبط بالضرورة بوجود الإنسان الغربي.
علينا أن لا ننخدع ببريقهم فهو كالسراب يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. ويجب أن نستفيد من تجارب الآخرين الذين لم ينخدعوا وبنوا أنفسهم اعتمادًا على ثقافتهم وثقتهم بأنفسهم كاليابانيين والصينيين.