الريف مكان بلا قلب – لماذا فقدت الأرياف بهجتها؟!
كان الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يصف مدينة القاهرة بأنها مدينة بلا قلب، وتكلم كثير من الأدباء عن صدمة المدينة التي يتعرض لها الشخص الريفي لأول مرة حين يُصدم بأن الحياة في المدينة أصعب من القرية بكثير من ناحية التكلفة المادية والكفاح اليومي من أجل المعيشة.
ولكن في خلال نصف قرن تقريبا انقلبت الأمور إلى النقيض تماما، وأصبحت أرياف مصر بلا قلب وشديدة القسوة على سكانها لأسباب كثيرة، وخاصة بسبب سعار السفر إلى الدول الأوروبية الذي صنع فجوة هائلة في دخل الناس، وصار طبيعيا أن ترى شخصا يمتلك عدة ملايين من الدولارات بينما جاره لا يمتلك عدة جنيهات في جيبه، مما ملأ القلوب بالأحقاد، وصار الشاب العاجز عن السفر لأسباب كثيرة ضائعا تائها مكتئبا يتمنى أن يتخلص من حياته لأنه يشعر بالعجز عندما يرى أصحابه قد أصبحوا مليونيرات واشتروا أراضٍ وبنوا عمارات بينما هو يجد ثمن علبة سجائره بالكاد.
والناس في الأرياف لا يتركون شخصا في حاله أبدا، بل يمتلكون مقدرة فذة على تقليب المواجع على بعضهم البعض، فقد يعجز شاب عن الزواج بسبب ظروفه المادية الصعبة ولكنهم لا يملون من مطاردته بالسؤال السخيف عن عدم زواجه، وهل الزواج سهل أيها العميان؟!
الزواج في الريف يحتاج إلى مبالغ خرافية لأن الناس لا تقتنع بزواج ابنتها في شقة إيجار، ولا بتجهيز الأساسيات فقط حتى وإن كانوا فقراء معدمين، وتجدهم يستلفون من طوب الأرض ويتسولون من الجمعيات الخيرية ليشتروا كماليات لا يمتلكها أناس محترمون في المدن، أما البنت التي تتخطى الخامسة والعشرين ولا تخطب فقد أصبحت في رأيهم عانسا غير مرغوبة، وبعد ذلك يتتبعون الأزواج بالسؤال عن الإنجاب..
حتى الميزة البسيطة في كون الريف مكانا مبهجا للبصر بسبب امتداد الخضرة والماء قد تلاشى، وأصبح مكانا ضيقا مزدحما لا أثر للخضرة فيه بعد تجريف الأراضي الزراعية والاعتداء على شواطئ النيل بالبيوت الأسمنتية..
هذه بعض الأسباب التي جعلت الريف المصري مكانا بلا قلب.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.