العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الواحد الخمسون
المدرسة المشَّائية: (49) إخوان الصفا وكتابهم "رسائل إخوان الصفا": ميتافيزيقا العلوم [5]: ميتافيزيقا العدد (الأرثماطيقي): إثبات الوحدانية رياضيًا
تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، (ج 50) عن إخوان الصفا: وكتابهم “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم [4] الرؤية الرياضية إلى الوجود.
ونواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”.
الواحد: أصل العدد ومبدأه
العددُ عند إخوان الصفا أصلُ الموجودات كلها. والواحدُ أصلُ العدد. يقول إخوان الصفا: “والواحد الذي قبل الاثنين أصلُ العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العددُ كله، صَحِيحُهُ وكُسُورُه، وإليه ينحلُّ راجعًا”. فعلى أساس فكرة الواحد المجردة يركب العقلُ باقي الأعداد بتكراره. فالواحد أصل العدد: صحيحًا ومكسورًا.
الواحد: أصل العدد الصحيح والمكسور
يقول إخوانُ الصفا: “أما نشوء العدد الصحيح (من الواحد) فبالتزايُد، وأما الكسور فبالتجزُّؤ، والمثال في ذلك ما أقول في نشوء الصحيح، إنه إذا أُضيفَ إلى الواحد واحدٌ آخرُ يقال عند ذلك إنهما اثنان، وإذا أُضيفَ إليهما واحدٌ آخرُ يقال لتلك الجملة ثلاثة، وعلى هذا القياس نشوء العدد الصحيح بالتزايد واحدًا واحدًا، بالغًا ما بلغ. وهذه صورتها: “1 2 3 4 5 6 7 8 9”.
أ. تحليلُ العددِ الصحيح إلى الواحد
“وأما تحليل العدد إلى الواحد، فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا أُخذ من العشرة واحد تبقى تسعة، وإذا أُلقي من التسعة واحد تبقى ثمانية، وعلى هذا القياس يُلقى واحدٌ واحدٌ حتى يبقى واحدٌ، فالواحدُ لا يمكن أن يُلقى منه شيءٌ لأنه لا جزءَ له البتةَ”. فقد تبين كيف ينشأ العددُ الصحيح من الواحد وكيف ينحل إليه. كذلك العدد المكسور فإن أصله الواحد.
ب. تحليلُ العدد الكسور إلى الواحد
“وأما نشوءُ العدد الكسور من الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا رُتب العددُ الصحيحُ على نظمه الطبيعي الذي هو من واحد إلى عشرة، ثم أُشير إلى الواحد من كل جملة، فإنه يتبين كيف يكون نشوؤه من الواحد، وذلك أنه إذا أُشير إلى الواحد من الاثنين، يقال للواحد عند ذلك نصفٌ، وإذا أُشير إلى الواحد من جملة الثلاثة فيقال له الثلث، وكذلك الربع والخمس والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر، وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور. وقد تبين كيف يكون نشوء العدد من الواحد الصحيح منها، والكسور جميعًا، وكيف هو أصلٌ لها جميعًا”.
الواحد: الحقيقي (الله تعالى) والواحد المجازي (الواحد العددي)
يقول إخوان الصفا: ” والواحد يُقالُ على الوجهين، إما بالحقيقة وإما بالمجاز”.
أ. الواحد الحقيقي
“فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزءَ له البتةَ ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحدٌ من تلك الجهة التي بها لا ينقسم، وإن شئت قلت: الواحد ما ليس فيه غيره، بما هو واحد”.
ب. الواحد المجازي
“وأما الواحد بالمَجاز فهو كل جملةٍ يُقالُ لها واحدٌ كما يقال عشرةٌ واحدةٌ، ومائةٌ واحدةٌ، وألفٌ واحدة”.
إذًا:
“الواحد الحقيقي هو الله تعالى، والواحد المجازي هو الواحد العددي”.
ومعرفتنا بالواحد الحسابي مُقَاَرَبةٌ لمعرفتنا بالواحد الحقيقي، فكل شيء يدل على أنه الواحد.
الواحد: إثبات وحدانية الله رياضيًا
إن الله هو الواحد الحق. يقول إخوان الصفا: “إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد قبل الاثنين، ونشوئه منه، وجدته من أدل الدليل على وحدانية الباري، جل ثناؤه، وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها. وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين، وإن كان منه يُتصورُ وجودُ العدد وتركيبه، فهو لم يتغير عما كان عليه، ولم يتجزأ، كذلك الله عز وجل، وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته، وأبدعها وأنشأها، وبه قِوامُها وبَقاؤها وتمامها وكمالها، فهو لم يتغير عما كان من الوحدانية قبلَ اختراعه وإبداعه لها”.
إذًا:
“إن نسبة الباري، جل ثناؤه، من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشؤه وأوله وآخره، كذلك اللهُ، عزّ وجلّ، هو علةُ الأشياء، وخالقها وأولها وآخرُها.
وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك اللهُ، جلّ ثناؤُه، لا مِثْلَ له في خلقه، ولا شِبهَ،
وكما أن الواحد محيطٌ بالعدد كله وبعده، كذلك اللهُ، جلّ جلاله، عالمٌ بالأشياء وماهياتها، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا!”.
إن التوحيد (إثبات وحدانية الله) والتنزيه (نفي الشريك عن الله) ونفي التعطيل )رفض صفات الله) ونفي التشبيه )وصف الخالق بصفات المخلوقين)، كلها كانت نتيجةَ القراءةِ الرياضيةِ للإلهيات عند إخوان الصفا.
العدد: الوجودُ علاقةٌ أُنطولوجيةٌ رياضية:
إن الوجود كله –عند إخوان الصفا– في علاقة أُنطولوجية (وجودية) رياضية. وفي ذلك يقول إخوانُ الصفا: “اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه، بأن الحكماء الأولين لما نظروا إلى الأشياء الظاهرة بأبصار عيونهم، وشاهدوا الأمور الجليلة بحواسهم، تفكروا عند ذلك في معاني بواطنها بعقولهم، وبحثوا عن خفِيّات الأمور برؤيتهم، وأدركوا حقائقَ الموجودات بتمييزهم، وبان لهم أن الأشياءَ كلَها أعيانٌ غيرياتٌ، مرتبةٌ في الوجود كترتيب العدد، ومتعلقةٌ مرتبطةٌ بعضُها ببعض في البقاء والدوام عن العِلة الأولى الذي هو الباري، سبحانه كتعلق الأعداد، ورباط بعضِها ببعض من الواحد الذي قبل الاثنين”. فالعدد أصل الموجودات كلها، وعلم الطبيعة مرتبٌ وفق العدد، وكذلك الأمور الروحانية العقلية كلها ذات علاقة أنطولوجية ميتافيزيقية بالعدد.
في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم:[6]: ميتافيزيقا العدد (الأرثماطيقي): أُنطولوجيا العدد.
اقرأ أيضاً:
الجزء السابع والأربعون من المقال
الجزء الثامن والأربعون من المقال
الجزء التاسع والأربعون من المقال
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا