تحدثنا -صديقي القارئ صديقتي القارئة- في الدردشة السابقة (العقل والدلالة ج1) عن تقسيمات متعددة للدلالة، وتعرفنا على الدلالة العقلية، اللفظية وغير اللفظية، والدلالة الطبعية، اللفظية وغير اللفظية.
وفي هذه الدردشة نتحدث عن القسم الثالث من الدلالة: الدلالة الوضعية، اللفظية وغير اللفظية. والذي يهم المناطقة قسم واحد منها فقط، هي الدلالة الوضعية اللفظية.
الدلالة الوضعية:
وهي فيما إذا كان منشأ الدلالة -بين الدال والمدلول- نابع من وضع البشر واتفاقهم وما اصطلحوا عليه، مثل إشارات المرور، فإشارة المرور الخضراء تدل على جواز السير، والذي أوجب السير طبقًا للإشارات هو الاتفاق الذي وضعه الناس، فتكون هذه الدلالة وضعية. وتنقسم أيضًا إلى لفظية وغير لفظية:
أ. الدلالة الوضعية غير اللفظية
لو أنك دخلت إلى مكان عام، ووجدت على الجدار صورة سيجارة عليها خط أحمر، فهذا يدل على أن التدخين في هذا المكان ممنوع، وهذه الدلالة هي “دلالة وضعية غير لفظية”.
ب. الدلالة الوضعية اللفظية
تكون هذه الدلالة في الألفاظ التي وضعت الدلالة على معانيها اللغوية أو العلمية، فإن أبناء المجتمع يتواضعون تلقائيًا على أن هذا اللفظ المعين يدل على هذا المعنى، وكذلك أهل العلم يصطلحون على أن هذا اللفظ يراد به هذا المعنى العلمي.
فمثلًا حينما نقول “موبايل” فهذا يدل على وسيلة الاتصالات اللا سلكية المعروفة بهذا الاسم، وهكذا كل الألفاظ.
أقسام الدلالة الوضعية اللفظية:
وهذه الدلالة “الوضعية اللفظية” هي ما يهم علم المنطق والفلسفة العقلية، ولها أقسام ثلاثة:
القسم الأول: الدلالة الوضعية المطابقية:
وتكون حينما يتطابق اللفظ مع تمام المعنى الموضوع له. ويأتي هذا فيما إذا كان المعنى مؤلفًا من أجزاء وأريد باللفظ مجموع الأجزاء كاملة.
كدلالة الجامعة على مجموع كلياتها، وكدلالة الإنسان على “الحيوان الناطق”، فإن معنى الإنسان ذو جزئين: الحيوانية والناطقية.
وكدلالة لفظ زيد على جميع أجزائه من رأسه إلى قدمه، في قولك “جاء زيد”. فإن هذه الدلالة هي دلالة وضعية لفظية “مطابقية”، كون اللفظ شمل تمام المعنى أي استوعبه واستوفاه.
القسم الثاني: الدلالة الوضعية التضمنية:
وهي دلالة اللفظ على جزء المعنى الذي وضع له ذلك اللفظ، مثلًا لو قال شخص: “أضأت المنزل” وكان يقصد من المنزل غرفة واحدة دون بقية أجزاء المنزل، فهذه الدلالة هي دلالة وضعية لفظية “تضمنية”، كون اللفظ قصد به جزء المعنى، أي أن المعنى متضمن للجزء المقصود دون الأجزاء الأخرى.
القسم الثالث: الدلالة الوضعية الالتزامية:
وتكون في المورد الذي يقصد من اللفظ شيئًا خارجًا عن المعنى ولكن ملازم له لزومًا ذهنيًا أو عرفيًا، بحيث يلزم من فهم المعنى المطابقي فهم ذلك الخارج اللازم.
واللزوم الذهني كدلالة العمى على البصر، والزوجية على العدد، وتسمى هذه باللوازم العقلية عند المناطقة. أما الملازمة العرفية فتأتي -غالبًا- في الاستعمالات المجازية نحو دلالة لفظ “حاتم” -عند العرب- على الكرم.
كقولك “زيد حاتم” لا يراد بكلمة حاتم هنا حاتم الطائي وإنما يراد وصف زيد بالكرم الملازم لحاتم الطائي. وهذه تسمى باللوازم العرفية عند أهل العرف.
شروط استعمال الألفاظ للدلالة الالتزامية
ويشترط في استعمال الألفاظ للدلالة الالتزامية:
- أن يكون السامع أو القارئ عالمًا بالملازمة بين المعنى الذي وضع له اللفظ وبين المعنى الملازم له الذي استعمل فيه اللفظ.
- ويشترط -أيضًا- أن تكون الملازمة واضحة بيّنة عنده، وإلا لما حصل انتقال الذهن من الملزوم إلى اللازم.
الخلاصة:
يجب أن نتعامل مع الألفاظ تعاملًا صحيحًا حين نستخدمها في التعريفات المنطقية وحين نستخدمها في الاستدلالات العقلية، هل هي بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام .
والقاعدة العامة هي: إذا كان اللفظ مقرونًا بقرينة تدل على نوع الدلالة: مطابقة أو تضمنًا أو التزامًا، يحمل اللفظ على المعنى الذي تدل عليه القرينة.
وفي حال الشك فيما هو المعنى المقصود للمتكلم، إما لعدم وجود القرينة أو لغموضها، نرجع إلى الأصل الذي يقرر حمل اللفظ على المعنى المطابقي.
اقرأ أيضاً:
المغالطات المنطقية فى الحياة العملية