العقبة الفكرية
التحدي الذي أمام المسلمين معالجة الانغلاق الذي يعاني منه كثيرون، نعم الإسلام مبهر وقوي وجاء بالقرآن الكريم رسالة الله، الذي “لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ”.
لكن الإسلام ليس فقط نصوصًا نحفظها وتعاليم نطبقها حرفيًا وكفى، الإسلام يدعو إلى العلم والعمل، ونصر المسلمين على أعدائهم لن يكون إلا بقوة الدين والعلم والعمل معًا.
الفرق بين العلم الديني والدنيوي
ذات مرة ذكرت العلم أمام أحد المتدينين فقال العلم هو العلم الديني فقط، فذهلت مما قال، هو نسي أن العلم الديني هو وسيلة قصد الله بها تغيير نوعية البشر إلى أفضل حال وليس هو الهدف.
حتى لا يفهمني أحد خطأً فالعلم الديني يجب أن يكون هدفك، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا واضح وصريح: “مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ”، لكن هذا ليس لأن الفقه هو نهاية المطاف، بل لأنه هو الذي يحول الإنسان إلى إنسان صالح وقوي وراق ومتقدم، فيكون ذخرًا لأمته.
الإنجازات التي حققها العلماء المسلمون وبنى الغرب حضارتهم عليها لم يحققوها إلا لأنهم كانوا على وعي بهذه الحقيقة، أن العلم الديني وسيلة إلى كل خير آخر، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن: “قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ”، وهذه دلالة كبرى على أن العلم الديني هو بداية كل العلوم وليس هو نهاية المطاف.
اقرأ أيضاً: الاغتراب النفسي والديني وسبل العلاج
الفكر الغربي والمشترك الإنساني
نحن نشتري السلاح من الغرب لندافع عن أنفسنا به ضدهم، لأننا لم نفلح في صنع مثله ولأننا لم نأخذ بالأسباب، وهم يعلمون أنهم يبيعوننا فقط السلاح الأقل كفاءة وهذا حقهم.
عندما تقرأ حكم ومقولات الفلاسفة الغربيين تجدها في مجملها عظيمة وجديرة بالاحترام، لأنها في النهاية نتاج خبرة بشرية بل صفوة الخبرة البشرية في بلادها.
لكن إذا نشرت لهم شيئًا من خلاصة فكر الغرب في مساحتك بمواقع التواصل تجد المتدينين بوجه عام يحجمون عن التفاعل معها، على أساس أنها جاءت من بلاد كفر، بينما الحقيقة أن العلم والفكر ظاهرة بشرية، والاستفادة من علوم وثقافات الأمم الأخرى كانت من أقوى أسلحة الأمة الإسلامية في عصور قوتها ومجدها وتمددها وانتشارها.
اقرأ أيضاً: صراع ثقافات لا صدام حضارات
هل طلب العلم يقتصر على العلم الديني فقط؟
رغم عزوف البعض عن التعاطي مع الفكر الغربي تجده لا يجد حرجًا في شراء سيارة صنعت في الغرب، أو السعي للعلاج في الخارج على يد طبيب غير مسلم، وهو قمة التناقض الفكري.
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغلق الباب أمام أفكار جاءت من أمم أخرى، ولهذا كان يتنازل عن رأيه أحيانًا ويأخذ برأي أصحابه، كما أخذ برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق، لأنه ابن حضارة كانت تحفر الخنادق في الحروب ولم يكن هذا معروفًا عند العرب والمسلمين.
المشكلة أن بعض المتدينين يتصور أنه يكفيه الأخذ بالأحاديث ونصوص القرآن، وهذا في نظره غاية المراد، ثم ينغلق عن باقي علوم العالم ومعارفه.
هكذا نتخلص من الجمود الفكري وننهض من جديد
الحقيقة أن العقول البشرية التي خلقها الله أيًا كانت ديانتها هي آيات ربانية من خلق الله، وإنتاجها كثيرًا ما يكون خيرًا، فنحن نستفيد من مصباح توماس أديسون، وبالطائرة والسيارة والإنترنت والهواتف الذكية، فلماذا لا نأخذ منهم أيضًا الحكمة والفلسفة فيما لا يتعارض مع تقاليدنا وديننا؟
الفلاسفة المسلمون الأوائل نقلوا عن فلاسفة اليونان وغيرهم، ولم يجدوا في ذلك حرجًا، يقول سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: ” وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “.
عندما توسعت الدولة الإسلامية استفادت جدًا من علوم وحضارات العالم كله، فلا يصح بعد مضي القرون أن نتراجع للخلف، ونتمسك بأفكار مغلوطة تنهانا عن التفتح الذهني والتحرر من الجمود الفكري، وتجعلنا نتخبط في التناقض والانغلاق، لأن هذا يؤخرنا ويضرنا ويشمت بنا الأعداء، الإسلام لن ينتصر أبدًا بالعقول المجمدة والفكر الضحل السطحي.
مقالات ذات صلة:
الدعاة وتشتيت مسار الخطاب الإسلامي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا