مقالاتفن وأدب - مقالات

الجزيرة

أعجبته فكرة تشبيهه بـ “روبنسون كروزو” _رغم الاختلاف الجوهري بينهما_ حيث كانت عزلته اختيارية، فلم تلق به سفينة محطمة بأرض هذه الجزيرة ، ولا دعاه إليها قلب محطم.

جاء إلى هنا بمحض إرادته، وبدأ في تخطيط جزيرته. سال الجمال مع قطرات العرق وهو يكد حتى ينظم الجزيرة بالصورة التي في ذهنه، غرس الزهور في كل بقعة، وفرش حبات الزلط الصغيرة في كل ممشى، وعرض نماذج لطيفة من البيئة الريفية مثل الساقية والشادوف والزير.

من اليابسة إلى الماء

لم ينقطع عن العالم، ولم يبخل على الظامئين للفتنة. تعلق الغارقون في بحر المعتاد بخشبة النجاة إلى الجزيرة. لم تكن عزلة على أية حال، بل كانت هجرة نهائية من اليابسة إلى الماء بكل تجلياته، ومجاورة الطيور كانت تجربة رائعة، أبوقردان كان ألطفهم وأقربهم إلى قلبه كان يغني له كل صباح:

–  أبوقردان

زرع فدان

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حوض ملوخية

وحوض جلبان..

علاقة قديمة

كانت هناك علاقة قديمة بينه وبين أبي قردان منذ كان يغمر الماء الأرض المشققة مع والده، كان يلقي له بقطع الخبز اليابسة، نهَرَه أبوه وقال له:

– اتركه في مهمته المقدسة التي أرسله الله من أجلها.

اندهش الولد الصغير وفغر فاه وقال:

– وهل أبوقردان نبي مرسل من الله.

ضحك الأب حتى وقع على قفاه:

– ليس نبيا، ولكن طائر ملهم، ويأتي إلى الأرض فيطهرها من الحشرات الضارة والآفات التي يمكن أن تضر عملية الإنبات.

– وهل يفعل الأنبياء والصالحون غير ذلك يا أبي؟ ألا يطهرون الأرض من الآفات الاجتماعية والعادات التي صارت أمراضا تنخر كالسوس في جسد البلدان؟

بأمر إلهي

وأنا! ألست مرسلا إلى هذه الأرض القاحلة غير الممهدة المليئة بأعواد البوص الجارحة والنباتات المتوحشة؟ ألا يعتبر ما قمت به رسالة نبيلة من أجل اقتناص لحظة جمال وسط زحام الجزيرة؟ ألا يأتي إليّ المريدون من كل بقاع الدنيا يلتمسون روح التجربة؟ ويأخذون مني الأحاديث للجرائد الورقية، ويطلبون مني النظر إلى الكاميرات المثبتة على أرض الجزيرة والتحدث عن تجربة جزيرتي، جزيرة “روبي”؟

ألم يأتِ إليّ صاحب شركة تسويق إلكترونية من أجل نشر رسالتي للناس ودعوتهم ليزوروا قطعة من الجنة؟

أنا هنا بأمر إلهي كأبي قردان تماما، ألهمني ربي كي ألتقط الحشرات الضارة، وأنفي العشوائيات وأعيد ترتيب الجمال لتصبح الجزيرة لوحة فنية يتحاكى بها الجميع. لوحة طبيعة من لحم ودم وليست باهتة كما هي لوحات الذين يرتدون النظارات ويدخنون البايب ويسمونهم التشكيليين.

يارب ألهمني أكثر من ذلك، أو خص هذا الإلهام أحدا من خلقك، تبعثه إلى قلوب الناس، يلتقط الآفات والأمراض التي غزتها، تصبح حدائق غنّـاء ملأى بالزهور والعواطف الرقيقة والحب. هل يمكن أن يحدث ذلك يارب ؟

بهذه البساطة.. يارب..

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

حالة الطبيعة

لا تقتلوهم!! السماء تدمع عليهم

 حديث عن الطبيعة الإنسانية