تلعب الأسرة دورا هاما في بناء المجتمع، إذ أنها تمثل التربة التي ينمو فيها الطفل منـذ مولده، والمعين الذي يستقي منه كافة أنواع المعرفة بالحياة، ففي سنوات حياتـه الأولـى يتصل الطفل اتصالا تاما بأسرته، فيتلقى منها القيم الاجتماعية والأخلاقية التي تستقر فـي أعماقه وتلازمه طوال حياته، مما يكون له أكبر الأثر في بناء شخصيته ونمـاء ملكاتـه النفسية.
فالأسرة السوية التي تؤدي دورها التهذيبي والتعليمي على أسس سليمة يكون سلوكها هـذا داعيا إلى سلوك أبنائها السلوك القويم، أما إذا أصابها الخلل وساد بين أفرادها العنف فإن ذلك قد يعوقها عن القيام بهذا الدور، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى سلوك أبنائها طريق العنف، بالإضافة إلى أن هذا العنف قد يشكل جرائما، وهو ما قد يؤدي إلـى ازدياد كم الإجرام في المجتمع.
ولقد شهدت مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية الكثير من الجرائم الأسرية _بين الأزواج تحديدا_ بشكل كبير وبطرق مختلفة وبشعة، فما هي الأسباب وراء انتشار جرائم القتل والعنف بين الأزواج؟
العوامل والأسباب المؤدية إلى انتشار الجرائم بين الأزواج:
إن أسباب ارتكاب الجرائم في الأسر كثيرة ومتعددة ومتباينة وتختلف من شخص لآخـر، فالـسلوك سواء كان مقبولا أو غير مقبول يظهر نتيجة لتفاعل الإنسان مع البيئة التي يعيش فيهـا، كما أن المستوى التعليمي، والفروق الفردية، والوضع الاقتصادي، أو التفاوت والاختلاف في الظروف البيئية، كل هذه الأمور وغيرها تؤدي إلى اختلاف في نتائج تفاعل الإنسان مـع بيئته، الأمر الذي يؤدي إلى وجود أسباب متعددة تعمل على زيادة احتمال ظهور شـكل أو آخر من أشكال العنف أو ارتكاب الجريمة عند البعض دون غيرهم، ومن هذه الأسباب ما يلي:
أولا: العوامل والأسباب الاجتماعية:
- بعض العادات والتقاليد التي تتبعها بعض الأسر خاصة أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، والتي تتطلب من الرجل قدرا من الرجولة لقيادة الأسرة بحيث يشعر أنه لا يستطيع قيادتها بغير العنف.
- الضغوط الحياتية التي تواجه بعض أفراد الأسرة نتيجة البطالة، أو انخفاض الدخل المادي، ضغوط العمل، الزحام الشديد، عدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة، سوء العلاقات الاجتماعية بين الأزواج.
- تعدد الزوجات والذي قد ينتج عنه عدم العدالة بين الزوجات وإهمال الزوج للأبناء وعدم تلبية احتياجاتهم يعد بيئة خصبة لممارسة العنف الأسري.
- كثرة عدد أفراد الأسرة وضيق المسكن أو المنزل وعدم اتساعه لأعضاء الأسرة.
ثانيا: العوامل والأسباب الاقتصادية:
– الفقر الشديد وما يصاحبه من عدم قدرة الزوج على تلبية احتياجات أعضاء الأسرة.
– خروج المرأة للعمل وما ينتج عنه من إهمالها للأبناء ولزوجها، وما يترتب على ذلك من خلافات ومشكلات أسرية.
ثالثا: العوامل والأسباب الثقافية:
– نقص الوعي الديني بين بعض أفراد الأسرة، وعدم التفرقة بين حق تأديب الزوجة وممارسة العنف ضدها.
– ضعف المستوى التعليمي بين بعض الأزواج وجهلهم بحقوق وواجبات كل من الزوج والزوجة.
– عدم وعي الآباء والأمهات بأساليب التنشئة الاجتماعية السوية والتربية الصحيحة للأبناء.
رابعا: هناك بعض العوامل والأسباب الذاتية لارتكاب الجرائم منها:
– التغيرات الفسيولوجية لدى كل من الرجل والمرأة، ومنها ارتفاع هرمون الذكورة وما يصاحبه من عنف، واضطراب الدورة الشهرية عند السيدات.
– إدمان بعض الأزواج والزوجات للمخدرات والخمور وما يترتب عليها من غياب العقل وعدم إدراك الأمور وحسن التصرف فيها.
الحلول المقترحة للتغلب على ظاهرة ارتكاب الجرائم الأسرية:
1- الوقاية الأولية تُعد من أهم الوسائل للتغلب على العنف الأسري وارتكاب الجرائم (والمقصود بها حسن اختيار الزوج أو الزوجة لبعضهما البعض)، فكلما كان شريك الحياة من مجتمع سليم كلما أدى إلى التفاهم والترابط والتماسك بين الأسرة وبعضها البعض.
2- تنمية الوعي الديني والأسري والاجتماعي لدى المقبلين على الزواج بحقوق وواجبات كل من الزوج والزوجة وأهمية التراحم والترابط الأسري.
3- ضرورة تنمية ونشر الوعي الأسري بأدوار الوالدين في قيادة الأسرة، وعدم تداخل الأدوار أو نشأة الصراع على أداء الأدوار، وضرورة وضع حدود لكل عضو من أعضاء الأسرة يُمنع تجاوزها.
4- وضع وتفعيل الأنظمة والقوانين التي تجرم العنف الأسري والعمل على تنفيذها حتى يتجنب المجتمع آثار العنف الضارة.
5- العمل على نشر ثقافة الحوار داخل الأسرة، وضرورة حث الآباء على التواصل والمناقشة بينهم وبين أبنائهم في كافة الأمور المتعلقة بالأسرة، ومحاولة تدريبهم على ضبط النفس وكظم الغيظ أثناء الانفعالات أو المواقف التي يتعرضون لها واحترام الآخرين.
6- العمل على نشر أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة وقواعد التربية الصحيحة التي يجب أن تنتهجها الأسرة في تعليم وتربية أبنائها.
7- الاستفادة من وسائل الإعلام لتحقيق ديمقراطية الأسرة، ومحاولة تغيير المفاهيم الخاطئة التي من الممكن أن تكون منتشرة بين بعض الأسر (كحب السيطرة، وحب التملك، والطاعة العمياء).
8- التوعية والتثقيف عن طريق المؤسسات التعليمية عبر المناهج الدراسية والندوات العلمية والمحاضرات الثقافية، لتوضيح الآثار السلبية من جراء انتشار ظاهرة العنف الأسري كإحدى المشكلات والأمراض الاجتماعية وآثارها على المجتمع.
9- قيام المؤسسات الدينية بدورها في تكريس مفهوم التراحم والترابط الأسري، وبيان نظرة الأديان للمرأة واحترامها وتقديرها لها.
اقرأ أيضاً:
المشكلات الأسرية .. الأسباب والحلول
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.