قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الرابع والستون

المدرسة المشَّائية: (62) إخوان الصفا وكتابهم "رسائل إخوان الصفا": ميتافيزيقا العلوم [18]: التطورُ الموجَّهُ بالحكمةِ الإلهية (3): تراتب الموجودات: من النبات إلى الحيوان

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، (ج 63) عن إخوان الصفا: وكتابهم “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم [17]: التطورُ الموجَّهُ بالحكمةِ الإلهية (2): تراتب الموجودات من التراب والماء إلى المعادن والنبات.

ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”.

3. التطور في الحيوان: من الحلزون إلى القرد

يقول إخوان الصفا إن: “آخر مرتبة النبات متصلة بأول المرتبة الحيوانية وأول مرتبة الحيوان متصلٌ بآخر مرتبة النبات”. انتقل إخوان الصفا من وصف نظام النبات ومراتبه إلى وصف مراتب الحيوان ونظامه، فوصفوا مراتب الحيوان من أدونها، وهو: “الحلزون” إلى أعلاها (أو أشرفها بحسب تعبيرهم)، وهو: “القرد”.

أدون رُتب الحيوان مما يلي رتبة النبات: الحلزون

“واعلم يا أخي بأن أول مرتبة الحيوان متصلٌ بآخر مرتبة النبات، وآخر مرتبة الحيوان مُتصلٌ بأول مرتبة الإنسان، كما أن أول المرتبة النباتية متصلٌ بآخر المرتبة المعدنية، وأول المرتبة المعدنية متصلٌ بالتراب والماء كما بينا قبلُ. فأدونُ الحيوان وأنقصه هو الذي ليس له إلا حاسةٌ واحدة فقط، وهو الحلزون وهو دودة في جوف أنبوبة، تنبُت تلك الأنبوبة على الصخر الذي في سواحل البحار وشطوط الأنهار، وتلك الدودة تُخرج نصف شخصها من جوف تلك الأنبوبة، وتَبسَّطُ يمنة ويسرة تطلبُ مادةً يتغذى بها جسمُها، فإذا أحسَّت برطوبة ولينٍ انبسطتْ إليه، وإذا أحست بخشونة أو صلابة انقبضتْ وغاصتْ في جوف تلك الأنبوبة حذرًا من مُؤذٍ لجسمها ومفسدٍ لهيكلها. وليس لها سمعٌ ولا بصرٌ ولا شمٌ ولا ذوقٌ إلا الحِسُ واللمس فقط”.

أعلى رُتب الحيوان مما يلي رُتبة الإنسان: القرد

ويصف إخوان الصفا التطور في الحيوان بقولهم:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“إن رتبة الحيوانية مما يلي رتبة الإنسانية ليست من وجهٍ واحدٍ لكن من عدة وجوه. وذلك أن رتبة الإنسانية لما كانت مَعدِنًا للفضل وينبُوعًا للمناقب لم يستوعبها نوعٌ واحدٌ من الحيوان لكن عدة أنواع، فمنها ما قارب رتبةَ الإنسانيةِ بصورةِ جسده مثلُ القِرد، ومنها ما قاربها بالأخلاق النفسانية كالفرس في كثير من أخلاقه، ومنها كالطائر الإنساني أيضًا، ومثل الفيل في ذكائه وكالببغاء والهَزارِ ونحوهما من الأطيار كثيرة الأصوات والألحان والنغمات، ومنها النحلُ اللطيفُ الصنائعِ إلى ما شاكل هذه الأجناسَ، وذلك أنه ما من حيوان يستعمله الناس ويأنس إليهم إلا ولنفسه قُربٌ من نفس الإنسانية. أما القردُ فلقرب شكل جسمه من شكل جسد الإنسان صارت نفسُه تحاكي أفعالَ النفس الإنسانية، وذلك مُشاهدٌ منه متعارفٌ بين الناس. فهذه الحيوانات في آخر مرتبة الحيوان مما يلي رتبة الإنسان لما يظهر فيها من الفضائل الإنسانية. وأما باقي أنواع الحيوانات فهي فيما بين هاتين المرتبتين، فسبحان الخالق الباري القادر القاهر الحكيم العالم الذي خلق الخلائق بقدرته، وفضل البعض على البعض برحمته، وخلق النبات، مع اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها ومنافعها، مصلحةً ومنفعةً لخلقه، وخلق الحيوانات الخسيسة والشريفة لنظام العالم ومعايش الخلائق بوجدانهم، تعالى الله عُلوًا كبيرًا”.

خلاصة تأويلية:

تتميز دراساتُ إخوان الصفا بما يمكن أن نسميه –مع مجدي عبد الحافظ– الروح العلمية، قبل ظهور المنهج العلمي بقرون عديدة، وهذا ما نلحظه من دراستهم القيمة للنبات والحيوان، فهم يحاولون التصنيف والترتيب تبعًا للبساطة أو التعقيد، يبدؤون بوصف الأبسط ثم الأعقد حتى يبدو المتقدم كأنه يمهد للذي سيأتي بعده، وهم بهذا يسوقون إلينا خطواتِ هذا التطور والارتقاء، الذي يأتي تدريجيًا ويحتاج إلى عامل الزمن. فيتحدثون عن الحيوان من الأقل حواسًا ويجعلونه متقدم الوجود عن الأكثر حواسًا، ويعدون متقدم الوجود هذا حيوانًا ناقصًا كما يعدون الحيوان مكتمل الحواس حيوانًا تامًا كاملًا: “تامة كاملة، وهي كل حيوان ينزو ويحبل ويرضع ويربي الأولاد، وناقصة وهي كل حيوان يسفد ويبيض ويفرخ، ومتولدة من العفونات، وهي كل حيوان لا يسفد ولا يبيض ولا يلد ولا يعيش سنة كاملة”. ثم يصلون إلى قاعدة يقررونها هي: “ما من حيوان يستعمله الناس ويأنس بهم إلا ولنفسه قرب من نفس الإنسانية”. حتى نصل إلى الإنسان: أكمل الكائنات كلها.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم: التطورُ الموجَّهُ بالحكمةِ الإلهية (4): تراتب الموجودات: من الحيوان إلى الإنسان الملائكي.

مقالات ذات صلة:

الجزء الستون من المقال

الجزء الواحد والستون من المقال

الجزء الثاني والستون من المقال

الجزء الثالث والستون من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج