مقالات

البطاقة الصفراء

بطاقة لا تخفى على أحد

ينقسم الناس في المجتمعات الطبيعية إلى مؤمنين بَرَرَة، ومجرمين فَجَرَة، وبينهما طبقة متوسطة في سلوكها وأقوالها وأفعالها.

والمُجرم معروف بسماته، وصفاته، وقُبْحه، وسوء أخلاقه، وخُبث نِيَّته، وفساد طويته، مشهور بِرَسْمِه وشكله، فالصغير يعرفه والكبير قد خَبَرَه. ونتيجة نبذه من الجميع إلا من أصدقاء السوء ورفاق الدرب وقُرَناء الشيطان فإنّ الحكومات تتعقّبه وتبحث عنه، وبالتالي ينال جزاءه، وبعد خروجه من سجنه دَرَجَت على مَنْحِه هوية مميزة وبطاقة مُعَيّنة لا تخفى على أحد، يحملها معه في الغدو والآصال، والذهاب والإياب.

إنّ البطاقة تُشعِر حاملها بالحظ العاثِر، والقهر الشديد، والحزن العميق، وكأنها سيف مُسلّط على رقبته طوال حياته، يحس كأنه يعيش في سجن كبير يحوطه، لقد وُصمت حياته بالحرمان من ملذات الحياة، وكُتبت عليه حياة التشرّد والتسكّع الخارجة عن وضع المجتمع الطبيعي وحياته الاجتماعية.

وهذه البطاقة تجعل الجميع يتنكّر له ويزدريه ويتأفّف منه لحملها، فلا يقبله أحد زوجًا لابنته أو أخته، أو يقبله في أي وظيفة أو عمل يقتات منه ويسد به رَمَقه وأسرته، وتمنع كذلك صداقة البعض والنأيْ بجانبهم عنه.

آفتان رهيبتان

وهنا ينبغي أن نُثبت أنه أحيانًا –وبغير قصد– قد يكون بسوء إدارة من المجتمع أو مشكلة ما لا دَخْلَ له بها يتحوّل السوي إلى مجرم، والتقي إلى فاجر، تمامًا كما يتحول القوي إلى ضعيف، والحليم إلى حيران نتيجة بعض الضغوط والمواقف.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي هذا الوقت بالذات لا بد لنا أن نتلقّفه بأيدٍ حانية، ونظرة راضية عاطفة، ونستقطبه إلى الطريق المستقيم وندمجه في المجتمع ونُذلّل له العقبات، وندله على أصدقاء الخير لا أصدقاء الشر والسوقة والعشوائية.

يشير نيلسون مانديلا إلى أنّ شدّة الفقر وفظاعة انعدام المساواة آفتان رهيبتان من آفات عصرنا، هذا العصر الذي يفتخر فيه العالم بتحقيق إنجازات هائلة في العلوم والتكنولوجيا والصناعة وتراكم الثروات.

نحن نعيش في عالم خَطَت فيه المعرفة والإعلام خطوات جبارة، ومع ذلك يُحرم الملايين من الأطفال من ارتياد المدارس لأسباب معروفة أو غير معروفة، ونعيش في عالم يهدد فيه الوباء نسيج حياتنا، ويُفرّق شملنا، بل ويتوعد مستقبلنا جميعًا،

كالإيدز والكورونا وغيرهم، ومع ذلك وبكل بساطة، فإن العالَم يمكن أن ينفق على الأسلحة والهلاك وإبادة دول بأكملها ما لا ينفقه على ضمان علاج الملايين، من المصابين ببعض الأمراض أو بفيروس نقص المناعة البشرية والعمل على رعايتهم.

لنأخذ بيد بعضنا البعض

وعلى الرغم من أنه عالم متقدم في التكنولوجيا وواعد مفعم بالأمل، فهو أيضًا وعلى نفس المستوى عالم من اليأس والمرض والجوع ونشر المشكلات التي يمكننا أن نحلها بكل سهولة.

فالتغلّب على مشكلة الفقر وعلاجها الجذري لا يكون مِنّة، بل هو واجب على القادر على مستوى الأفراد والمجتمعات، وهو أيضًا وبكل موضوعية إحقاق للعدل والحق والمساواة، وهو حماية ركن ركين وحق أساسي من حقوق الإنسان، ألا وهو الحق في الكرامة والحياة الكريمة، وما دام الفقر قائمًا، فلن تكون ثمة حرية حقيقية.

وعندما سُئل كونفوشيوس عن شخصية (كوانغ يَجانغ) فتحدث عنه بقوله: “إنه يصح أن يُزَوّج ولو كان في الأصفاد، فإنه لم يرتكب جريمة.”، فزوّجه ابنته.

إن الإصلاح والتهذيب أمر جيد ومطلوب لإدماج هذه الفئة في المجتمع وتحويلها إلى فئة صالحة نافعة لنفسها ومفيدة بنّاءة لمجتمعها. ومن ناحية أخرى فإن بعض الجماهير من السهل أن تعطي بطاقات صفراء كأحكام على البعض: هذا جيد وحسن وهذا سيئ قبيح، وقد يكون هذا الحكم خطأ ليس عن عِلم وتثبّت، فيتسبّبون في تدمير شخص أو مؤسسة.

فالمجتمع يتكوّن من غني وفقير، وصالح وطالح، فينبغي أن نأخذ بيد بعضنا البعض بتفعيل دورنا في الإرشاد الواعي والتوجيه النافع والنصح المخلص، ليحتوي المجتمع بعضه بعضًا، فلا يشذ البعض ويبتعد عن فَلَكِه، ولا يخرج عليه ويكون مِعول هدم.

اقرأ أيضاً:

اليوم العالمي للقضاء على الفقر

صناعة الجوع وخرافة الندرة

الجرائم الأسرية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر