مقالات

البحث عن الآخر الكوني!

لم يزل استكشاف المجهول والبحث عن كوكب آخر يتدفق به الماء ويتيح حياة كالحياة الأرضية حلما يداعب عقل الإنسان البائس المغترب في موطنه، تراه محملقا في قلب الظلام، مستمعا في خشوع إلى صرير السكون، مأخوذا بتحدي قوة الجمال، مسكنا ظمأه إلى سرٍ كوني يؤرقه، هاربا من وحدته وغربته وعذاباته الأرضية إلى المحتمل الغامض.

كبلر 453

هذا ما عبرت عنه إدارة الطيران والفضاء الأمريكية «ناسا» (بتاريخ الثالث والعشرين من يوليو 2015) في إعلانها عن نجاح التليسكوب كبلر في العثور علـــى كوكب خارج مجموعتنا الشمسية، أطلق عليه اسم «كبلر 453 ب» Kepler-452b، يكاد يكون مماثلا للأرض في الحجم ودرجة الحرارة ووجود الماء، ويدور حول نجم يشبه الشمس.

أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى الفلكي الألماني «يوهانز كبلر» Johannes Kepler، والرقم 453 يشير إلى ترتيب اكتشافه من قبل التليسكوب كبلر، والحرف «ب» يمثل ترتيب بُعد الكوكب عن النجم، فمثلا لو كان النجم 186 لديه ستة كواكب، فإن الكوكب الأقرب يسمى «كبلر 186 أ»، والكوكب الثاني يسمى «كبلر 186 ب»، وهكذا وصولا الى الكوكب الأبعد عن النجم.

يقع الكوكب في مجموعة نجمية تُعرف باسم «مجموعة الدجاجة» Cygnus، وهي أقدم من مجموعتنا بما يقرب من 1.5 مليار سنة. أما عن حجمه، فمن المعتقد أنه أكبر من الأرض بنحو 60%، ويسبح في الفضاء على بُعد يبلغ نحو 1400 سنة ضوئية من الأرض، ويبعد عن شمسه (التي هي أكثر إشعاعا من شمسنا بحوالي 20%) بمسافة تزيد عن بُعد الأرض عن شمسها بنحو 5%، حيث يبلغ مداره حولها 385 يوما، لذا وصفت «ناسا» الكوكب بأنه «ابن عم الأرض الأكبر حجما وعُمرا» Earth’s Bigger Older Cousin.

لماذا ينتاب الإنسان الخوف من فكرة وجوده وحيدا في الكون؟

لم يشغلني التساؤل عن مدى إمكانية وصول الإنسان إلى الكوكب لاستعماره؛ من الممكن منطقيا _وإن كان من غير الممكن فيزيائيا في الوقت الحالي_ أن يتمكن الإنسان من السفر عبر الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء ليتجول في عالمه الكبير، وكم من ممكنٍ بالمنطق بات ممكنا بالفيزياء من قبل!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما لم يشغلني التساؤل عن مدى وجود كائنات حية عاقلة تستوطن الكوكب، ولا ما إذا كانت تعرفنا وترغب في التواصل معنا، فلقد ظلت هذه الفرضية لزمن طويل وحتى يومنا هذا حقلا من حقول الخيال العلمي، وكل الحجج العلمية المتوافرة حتى اللحظة الراهنة تؤكد بوضوح على أننا قد نكون المخلوقات العاقلة الوحيدة في هذا الكون. وهو ما يذهب إليه الفلكي البريطاني «جون جريبان»John Gribbin  في كتابه «وحيدون في هذا الكون: لماذا كوكبنا فريد من نوعه؟»Alone in the Universe: Why Our Planet is Unique?  المنشور سنة 2011.

وحتى لو افترضنا (على سبيل الخيال) أن الكون مأهول بشكل كثيف بالكائنات العاقلة، فسوف يظل الدرس الدارويني واضحا: لن يوجد بشر في مكان آخر، فهنا فقط وعلى هذا الكوكب الصغير يوجد الناس، ونحن نوع نادر ومعرض للخطر. وإذا ما اختلف إنسان معك دعه يعيش، لأنك لن تجد إنسانا آخر في مئة مليار مجرة!

إنما وجدتني –في معية المكتسبات العلمية الفضائية وتجلياتها في العلوم الأرضية الأخرى– مشغولا بتساؤلات من نوع آخر: لماذا ينتاب الإنسان الخوف من فكرة وجوده وحيدا في الكون؟

تساؤلات يجيب عنها التاريخ

هل يعلم أن طمعه وإفساده في الأرض وسفكه للدماء وأنانيته.. كل ذلك سيحول دون بقائه على الأرض؟ لماذا يدمر الأرض بعناية ويبحث في الوقت ذاته عن موطن بديل في ربوع الكون؟ وإذا تحقق حلمه في الفرار من أوجاع عبثيته، وطقوس قسوته وغبائه، ومعزوفات حقده، وتدنيسات جرائمه لأرضه، وقبل ذلك قنصه لإنسانيته البكر، فهل ستسود العدالة وترفرف رايات الحرية ويتوقف سفك الدماء على الكوكب البديل؟

ألن يكون هناك سادة وعبيد، حكام ومحكومون، قتلة ومقتولون؟ صخب وسجون وخرائط مرسومة بأقلام معبأة بحبر الكراهية الأسود؟ ألن ينبثق العداء وتنشب الحروب؟ ألن يكون الإنسان ضيفا ثقيلا غير مرغوب به على الكوكب أو الوطن المنشود؟

تساؤلات ينطق تاريخنا الأرضي بإجاباتها.. فاللهم لا ملجأ منك إلا إليك.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

منطق الاختيار الصعب

البحـــث عن الله

لغة الجينات.. لغة الله!

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية