الانفجار الكبير وسر الخلق هل الكون نشأ بالصدفة؟
سنة 1927، العالم العظيم جورج لوميتر (Georges Lemaitre) قال حاجة مهمة أوي، بس محدش فهمها كويس إلا بعدها بفترة طويلة، قال إن الكون المتوسع بتاعنا ده كله، ممكن نتتبعه لوراء في الزمن لحد نقطة بداية واحدة، نقطة بدأ عندها الزمن والفضاء كله، بانفجار ضخم كان هو سبب الحياة وأصل الخلق نفسه.
الحدث ده سماه علماء الفلك بعد سنين طويلة باسم “الانفجار الكبير” أو البيج بانج، والانفجار ده، بكل اللي حصل خلاله وبعده، كان هو اللحظة التعريفية ولحظة البداية لكوننا كله، اللي اكتسب فيها كل صفاته اللي إحنا بنشوفها دلوقتي، وكل أسرارنا، وأسرار ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وسر الخلق نفسه، محفوظ جواه.
طب يا ترى إيه هو الانفجار الكبير ده؟ وحصل إزاي؟ وإزاي ممكن نستدل منه على وجود طرف إلهي هو اللي ساهم في خلق الكون ووصوله للشكل اللي نعرفه دلوقتي؟
ده اللي هنعرفه مع بعض في السطور الجاية، فحضر كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، ويلّا بينا.
ظاهرة الانزياح الأحمر
سنة 1929، وأثناء ما كان العالم إدوين هابل (Edwin Hubble) بيراقب المجرات البعيدة جدًا عننا في الفضاء بالتليسكوب بتاعه، اكتشف بالصدفة حاجة كانت سبب في تغيير الطريقة اللي بنفكر بيها في الكون كله، الحاجة دي هي الانزياح الأحمر أو الـ(Red shifting) للمجرات.
الانزياح الأحمر ده كان بيأكد إن المجرات البعيدة اللي بنشوفها في السماء بالتليسكوبات، هي في الواقع بتتحرك لبعيد، مش ثابتة في مكانها في الفضاء زي ما الناس كانوا فاكرين لحد وقتها، وطبعًا بما إن المجرات كلها بتتحرك لبعيد، إذًا أكيد لازم يكون في نقطة مركز أو نقطة بداية بدأت المجرات والنجوم دي كلها تتحرك منها، يعني لازم يكون في نقطة مركزية هي اللي بدأ عندها الكون كله، بكل الزمن والفضاء اللي فيه، بالظبط زي ما قال جورج لوميتر قبلها بسنتين، ومن هنا تولدت نظرية الانفجار الكبير أو الـ(Big Bang Theory).
ما هي نقطة التفرد؟
بس عشان نفهم إيه هو الانفجار الكبير ده بقى، تعالى معايا نبص على السماء، ونتخيل الكون في دماغنا، بكل حجمه وتمدده وتوسعه اللا نهائى، أهو كل ده في الواقع يا عزيزي المتفرج، جه من نقطة واحدة، بيسموها نقطة تفرد أو (Singularity) كانت موجودة من تقريبًا 13.7 مليار سنة، وبتجمع جواها كل الكون الواسع اللي أنت بتشوفه لما بتبص على الفضاء ده.
النقطة دي بقى ممكن نسميها نقطة الصفر اللي بدأ عندها كل شيء، وكان عندها بداية الكون والمساحة والزمن نفسه، لو حاولت تتخيل إيه اللي كان موجود قبل النقطة دي مش هتعرف مهما حاولت، وده عشان اللي كان موجود قبلها هو اللا شيء حرفيًا، حتى كلمة عدم مينفعش توصف اللي كان موجود قبل النقطة دي، محتاجين كلمة لسه مصطلحات البشر الضعيفة موصفتهاش، عشان توصف الولا حاجة حرفيًا.
لو تخيلنا إن عمر الكون ده هو شريط فيديو، وحاولنا نرجع الشريط لورا كل الفترة دي، فهيكون في حد معين نقدر نوصله بقوانيننا الفيزيائية الحالية، وبعدها بتنهار الفيزياء نفسها، وبتفشل في إنها توصف اللي كان موجود قبل النقطة دي، بينهار حتى مفهومنا عن الزمن نفسه، لإنه مفيش معنى لكلمة (زمن) قبل الحد ده، مفيش حتى معنى لكلمة قبل أو بعد.
اقرأ أيضاً: الكون الغامض واحتمالات المستقبل
اقرأ أيضاً: الصدفة وحدها هي السبب وراء نشأة الكون؟
زمن بلانك
الحد اللي إحنا بنتكلم عنه ده اسمه حِقبَة بلانك أو (Planck Era)، نسبة للعالم ماكس بلانك (Max Planck)، وعشان نقدر نفهم مدى صغر الحقبة أو الفترة دي، هنحتاج إننا نفهم حاجة اسمها زمن بلانك (Planck Time).
زمن بلانك ده يا سيدي هو أصغر وحدة فيزيائية لقياس الزمن، وحدة فيزيائية بتتكون من جزء من مليون مليون مليون مليون جزء من الثانية، لو حاولت تكتبه بالأرقام، هيكون 10 أس سالب 43 من الثانية، وعشان أقرّب الموضوع لدماغك أكتر، يكفي إني أقولك إن الثانية الواحدة اللي بتعدي عليك دلوقتي فيها عدد وحدات زمن بلانك أكتر من عدد الثواني كلها اللي عدت على الكون من ساعة ما بدأ في الانفجار الكبير، ولو سألتني إيه بقى اللي كان موجود في الجزء الصغير جدًا ده؟ هقولك محدش عارف!
تخيل إننا بكل علومنا البشرية الحالية دي، وبرغم كل التكنولوجيا والتطور اللي وصلنا له، منقدرش نوصف إيه اللي كان موجود في زمن بلانك ده، وده بسبب إن كل القوى الفيزيائية والأبعاد المعروفة لينا كانت متوحدة ومندمجة مع بعض في نقطة واحدة صغيرة، لا نهائية الكثافة والطاقة والحرارة والجاذبية، النقطة دي بيسموها نقطة تفرد أو (Singularity).
ونقطة التفرد دي كانت غير مستقرة لدرجة إنها انفجرت بطاقة أكبر من كل الطاقة اللي انتجها الكون كله من ساعة ما بدأ من 13.7 مليار سنة ولحد دلوقتي، وانفجارها ده كان هو لحظة الخلق، اللحظة اللي ربنا قال فيها للكون: كُن، فكان، وبدأ الكون يتوسع ويتمدد.
بداية الكون والانفجار العظيم
في جزء من تريليونات الأجزاء من الثانية، تمدد الكون لحجم أكبر من حجم الذرة بتريليونات المرات، وكل ده حصل وقتها بسرعة أكبر من سرعة الضوء نفسه، وده كان أول كسر في عرش قواعد الفيزياء حصل في الفترة الزمنية القصيرة جدًا دي، وكل ده حصل وهو ما زال عاصفة كبيرة وضخمة جدًا من الطاقة، حرارتها لا نهائية، حرارة وصلت من كتر قوتها لإن مكانش في جواها ذرات ولا جزيئات ولا إلكترونات ولا جسيمات ذرية، مجرد بحر واسع من الطاقة الصافية.
فضل بقى الكون بعدها يتمدد بمرور الزمن، ومع التمدد السريع ده كانت الكثافة والضغط بيقلوا تدريجيًا لحد ما الحرارة قلت لحد معين سمح بتكون أول جزيئات ذرية في تاريخ الكون، وحسب أساسيات فيزياء الكم، فاللي حصل ساعتها هو إن كل جزيء من الذرة كان بيتم إنتاجه من الطاقة اللا نهائية اللي كانت موجودة في لحظة الانفجار الكبير، كان بيتم إنتاج جزيء تاني زيه بالضبط، بس مضاد له في الشحنة، ومعكوس كإنه صورته في المراية.
يعني مثلًا كل إلكترون كان بيتم إنتاجه، كان بيتم إنتاج إلكترون مضاد ومعكوس معاه، اسمه البوزيترون، ومع كل بروتون طبيعي موجب الشحنة، بيتكون معاه في نفس اللحظة بروتون مضاد سالب الشحنة، واللي كان بيحصل بعد كده هو إن الجسيمين دول كانوا بيتشدوا لبعض زي المغناطيس كده، ويخبطوا في بعض وينفجروا ويتدمروا تمامًا، كإنك بتجمع واحد مع سالب واحد في نفس اللحظة، هيكون الناتج صفر بدون أي تغيير.
اقرأ أيضاً: انفجار النجم بيتلجوس كيف سيؤثر على شكل كوكب الأرض
تعرف على: نظرية بانسبيرميا وأصل الحياة
حلقة مفقودة
يعني في اللحظة الأولى من عمر الكون أو حقبة بلانك دي، كانت الطاقة اللا نهائية بتنتج الجسيمات والجسيمات المضادة بشكل لا نهائي، وبحسبة فيزيائية ورياضية بسيطة، كل الأجسام والأجسام المضادة دي المفروض إنها كانت تنجذب لبعضها وتنفجر وتتدمر في نفس ذات اللحظة اللي هتتولد فيها، يعني المفروض إن مفيش جسيمات كانت تتكون من الأساس، الكون ساعتها كان المفروض إنه يتكون ويتدمر في نفس اللحظة، والمفروض إن ما كانش يبقى في جسيمات ذرية أصلًا!
يعني لو كانت قوانين الفيزياء صح في الحالة دي، إذًا ما كانش هيبقى في مادة من الأساس، بس على العكس اللي المفروض كان يحصل، وحسب المشاهدات اللي بنشوفها بعيوننا دلوقتي، وبنعيشها، فالمادة الطبيعية مالية الكون كله حوالينا في كل مكان، طب إزاي؟! معنى كده إن في حلقة مفقودة، وفي حاجة إحنا مش فاهمينها بالظبط.
نشأة الباريونات
الحاجة الغامضة دي بقى هي حدث مذهل حصل في بدايات خلق الكون، ومالوش تفسير منطقي ولا علمي حقيقي لحد دلوقتي، برغم إنه المفروض حصل بالفعل، وهو اللي أدى لوجود الكون بشكله المعروف لينا دلوقتي، الحدث ده اسمه العلمي هو الباريوجينيسيس (Baryogenesis)، أو خلق الباريونات!
عامل غامض كسر كل القوانين الفيزيائية المعروفة، وخلى الجسيمات الذرية الطبيعية اللي كانت بتتكون في بدايات الانفجار الكبير دي، يبقى عددها أكتر من الجسيمات المضادة، والعامل الغامض ده هو قوة مجهولة تمامًا للعلوم الحديثة، ومنقدرش نفسرها تفسير شافي بعلم الفيزياء النظرية المعروف لينا حاليًا، وعشان كده بيتم اعتباره حاجة إلهية غير قابلة للتفسير المنطقي.
الجسيمات العادية الإضافية اللي تكونت بقدر أكبر من الجسيمات المضادة في بداية الانفجار الكبير دي، هي اللي اتخلق منها الكون كله بكل الجسيمات الذرية اللي فيه، وكل الكواكب والنجوم والمجرات والنيازك والمذنبات والأقمار والغازات اللي بنشوفها دلوقتي.
نشأة الكون من العدم
فجأة، من وسط العدم واللا وجود نفسه، اتخلق النظام والفوضى اللي شكلوا الكون كله، وفضل الكون ده يكبر ويتمدد ويتوسع، ويستقر أكتر مع مرور الوقت، لحد ما بعد مليارات السنين، جت شمس صغيرة دافية معروفة ومألوفة لينا كلنا.
مع الشمس دي، بدأت رحلة الحياة نفسها، لحد ما وصلنا للحظة اللي بتقرأ فيها السطور دي، كل ده بدأ من أكتر من 13 مليار سنة، في حدث قديم جدًا لا شافته عين ولا خطر على قلب بشر، والحدث ده عمره ما كان هيحصل، لولا تدخل العامل الغامض، والقوة الإلهية غير المفسرة دي، عشان لمجرد لحظة صغيرة، يغير قوانين الفيزياء نفسها لصالح الوجود بدل العدم.
هي دي بقى عظمة الخالق سبحانه وتعالى.
إنه قدر يخلق الشيء، من اللا شيء.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*********
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا