مقالات

الأفكار السليمة غير محتكرة

يقول لي صديقي ذات مرة أنه قد أخذ بفكرة شخص مشهور يذيع صيته ويشهد له بالصلاح بين الكثير من الناس وأن نتيجته التي خلص لها من فكرة ذلك المأخوذ بمقولته وكلماته قد أنجح الأمر إلا أنه قد قرأ له مرة أخري أقوالاً لم تأت بثمارها ولم تفلح له.

متعجباً يسأل لماذا يحدث مثل ذلك؟

الحق لا يعرف بالرجال

ابتسمت وقلت له ذكرتني بقول لمولانا جلال الدين الرومي “الحقيقة كانت مرآة بيد الله وقعت وتشظت، كل فرد أخذ قطعة منها، نظر إليها وخال أنه يملكها كاملة” فإن خال لك أن الحقائق للوجود تحتكر لفلان أو فلان فأنت خاطئ واجعل من الحقيقة مرشداً لك كما قال مولانا الإمام علي “الحقّ لا يعرف بالرجال، إنما الرجال يعرفون بالحق.”

والمغزى يا صديقي هو أن الوجود واحد وقوانينه مهما تعددت وكثرت فهي قوانين ثابتة في وحدتها، فقد يشير لك واحد من أقصي العالم عن قوانين ومعارف واقعية حقيقية لم تعيها وهذا ما فعل في تدافع البشرية وبنائها المعرفي القائم على معارف بعضها البعض،

نقل المسلمون من اليونان القديمة ونقل الغرب من المسلمين وتكاملت العلوم لأنها ليست حكراً على أحد وإنما هو الدليل الذي إن أقام صواب علم أو قول أو فكرة؛ كان هذا إدراك لقوانين الواقع. ولنتطرق في تفصيل الأمر إن ساعنى صدرك للحديث.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حقيقة الوجود

الانغلاق الفكري

يعي الكثير منا بأن عالمنا -الذي نعيش به- ذو قوانين واحدة لا تختلف مهما اختلفت الأزمان ولكن حصيلتنا المعرفية عنه تزداد يوماً بعد يوم بتوصلنا لجزء جديد من قوانينه أو إدراك جزئيات أكثر تفصيلاً من تلك التي أدركناها سابقاً أو من أدركها قبلنا من العصور،

ولذلك الوجود وجهان؛ وجه ندركه بالحواس وبالتجريب في ذلك العالم المحسوس وأن تلك القوانين تستند كذلك على قوانين غيبية (ما ورائية أي معنوية)،

وأن تلك القوانين جميعها تتكامل لتصيغ قوانين العالم إجمالاً وكل قانون غيبي يرتبط ارتباط وثيق بالقانون المادي ولا ينفك عنه بل كلاهما يكملان للإنسان منظوره للوجود ولنفسه وخالقه كي يري ما تحويه نفسه العجيبة وما يحويه عالمه الذي يتحير فيه النظر.

اقرأ أيضاً:

كن جميلًا ترى الوجود -على حقيقته- جميلًا

ما تنتهي إليه مساعينا هو في الحقيقة معنوي

هذه نصيحة مخلصة

إبداع الخالق

ولكي لا نطيل لنضرب مثلاً أو أكثر لنقرب من أذهاننا الوصف، هناك في الأمور البديهية ما يحير المرء ويسوقه إلى نتيجة أن ذلك النظم والخلق للكون لم يصدر سوي من خالق حكيم عظيم لا يخلق إلا بدقة متناهية لا وصف يصورها للأذهان

إنما تدركها العقول وتستشعرها القلوب وتتوق إليه بصفته الواجد والموطن والواهب للمخلوق ما يملكه من صفات فلماذا كانت بذرة البرتقال بتلك الصفات وكانت بذرة التفاح بتلك؟ لماذا حينما تزرع في أي أرض وتسقي بأي مصدر من الماء تخرج كما هي؟

من الذي فطرها بتلك الطبيعة؟

لماذا حينما تصدر صوت ما بجانب طفل لم ينطق بعد يلتفت لك سريعاً؟ من الذي فطره على الانتباه بأن لذلك الصوت سبب؟

لا بد أن يكون له سبباً؛ هو متيقن لذلك ؛فطرته ساقته للسير كما هي.

قانون استحالة اجتماع نقيضين

الانغلاق الفكري

والحقيقة أن لتلك الأمور وإن كانت تدركها حواسنا فإن لها معاني وتشير جميعها إلي قوانين الوجود المعنوي، ولذلك القوانين المعنوية مكملة للقوانين المادية غير منفصلة عنها فثبات صفات نبات معين بصفاته لا تتغير ولا تخرجه عن نوعه

تشير إلى قانون استحالة اجتماع نقيضين وهو قانون معنوي بديهي لدي الإنسان وانتباه الطفل لذلك المصدر الخارج منه الصوت، إنما هو فطرة خلقه المؤمنة بأنه لابد من وجود سبب لكل شيء.

تغمر المتأملين حيرة الحياري في تأملاتهم وإن كانت أشد الأمور بساطة وجدوا فيها من المعاني ما ينطق ويخبرهم “ما أجهلك أيها الإنسان؛ فإن أردت أن تعلم فاسمع وابصر وتفكر؛ لعلك تعقل فقد تدرك الحقائق من أشد الأمور بعداً عن ذهنك ومن أي مخلوق كان وأنك إن لم تفعل ذلك حجبت عن ما يعينك على سبيل سعادتك.”

 خلاصة القول

لا تقبل أو ترفض أي فكرة أو نصيحة أو رأي من أي شخص كان لأي سبب كان إلا بعد أن تتيقن دليله وتقف على صحة ما تقبله أو ترفضه مهما كان من ينقلها لك مخالفاً، فإن مثلاً لم يتقبل شخص طبيب ما في مجاله نتائج بحثية أنتجتها أناس مغايرة له في الدين لسبب أنه يرفض دينهم فقد حجب بذلك عن نفسه علماً.

ولذلك قيل اطلبوا العلم ولو في الصين وليكن المعيار الحقيقي لتقبل أو رفض فكرة ما هو صحة دليله المطابق للواقع أو خطأه؛ وإلا فإن ذلك الانغلاق الفكري يجعل الإنسان يعمى في جهله دون أن يعي الصواب ويرشد للحقائق.

وأريدك أن ترفض نصحي لك إن كان خطأ وأن تتقبل رأيي إن كان سليمًا، ولتدع صداقتنا جانباً.

**************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط