الإفلاس

تُقاس الأفراد والأمم وفق الفكر المادي بمستويات ومعايير للحكم عليها مثل المكسب والخسارة والتقدم والتأخر أو التخلف، وخاصة في عصر العولمة والهيمنة على الممتلكات والعقول.

الإفلاس من الأمور الصعبة على النفس، فإعلانه يعني عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات للدائنين، ومن ثم اللجوء إلى تصفية الأملاك والحسابات للإيفاء وسد العجز.

التاجر مثل المكتبات –مع الفارق– ففي آخر العام يلجأ لعمل الجَرْد السنوي، لكي يُقدّر مكسبه وخسارته، احتياجاته وفقْده، ويحسب زكاته وصدقاته.

كيف نتجنب الإفلاس؟

على مستوى الأفراد يوجد الموظف في القطاع العام أو الخاص أو العامل، يستطيع كل منهم تقدير الدخل والإنفاق، وينعكس هذا على الانتعاش الاقتصادي أو الكساد والركود.

إن الإنسان يجب أن يضع لنفسه نظامًا دقيقًا، خاصة بعد زيادة الأسعار لتقييم نفسه من استهلاك أو ادخار.

البنوك شكل واضح للانتعاش أو التأخر وما بها من أوراق مالية متداولة (سحب وإيداع) أو الذهب، وما دولة لبنان الشقيقة والخلل الموجود فيها بسوء الإدارة عنا ببعيد.

إن الحكومات يجب أن تفكر تفكيرًا عمليًا بوضع نظام عام يخدم المجتمع ككل، ويعمل المسؤولون بكل إخلاص وحب لأجل بلدهم والبعد عن المشاحنات السياسية والخصومات الفردية والحزبية.

الإفلاس الأخلاقي

لا ضيْر في إفلاس الأفراد والبنوك والشركات، فقد يعون الدرس ويتعلمونه فينهضوا من كبوتهم بالصبر والكفاح والبدء من جديد، في حين أنّ أصعب الإفلاس على الإطلاق إفلاس الأخلاق والقيم وتدنيها وسقوطها أحيانًا.

نادت الحضارات القديمة بالتمسك بالأخلاق والقيم النبيلة الأصيلة، من ذلك نصٌّ لقدماء المصريين يقول بلغة صداقة عندما ينتقل المصري إلى الحياة الآخرة:

“لم ألوث ماء النيل، لم أقتل، لم أسرق، لم أكذب، لم أشتهي زوجة جاري”، “لم أكن سببًا في دموع إنسان، لم أكن سببًا في شقاء حيوان، لم أعذّب نباتًا بأن نسيت أن أسقيه ماء، لم أرفع صوتي على غيري أثناء الحوار، لم أتعالَ على غيري بسبب علوّ منصبه”.

من أخلاق الرجال

 

إذا كان هذا في الثقافة المصرية القديمة فإنّ الأمر لا يختلف عنها عند شقيقتها الصينية، فقد ذكر ول ديورانت في موسوعته أنّ كونفوشيوس كان يرى أنّ القاعدة الأساسية التي تقوم عليها أخلاق الرجل الأعلى هي العطف الفيّاض والرحمة بالناس جميعًا.

أن يكون مجاملًا بشوشًا لجميع الناس، ولا يُغضبه أن يسمو غيره من الناس، فإذا رأى أفاضل الناس فكّر في أن يكون مثلهم، وإذا رأى سَفَلَة الناس عاد إلى نفسه يتقصّى حقيقة أمره.

إن الرُّقي بالأخلاق والتحلّي بها تجعل صاحبها راضيًا عن نفسه يشعر بالسلام والأمان الداخلي، ويكون كذلك محبوبًا من الناس حسن السيرة والمَعْشَر، وذلك في الظروف العادية الحياتية مثل المعاملة المادية والمناسبات المجتمعية.

ويعطينا حكيم الصين درسًا في التوازن والوسطية، فالمال والجاه مما يرغب فيه الإنسان، ولكن ذا المروءة إذا أصابهما بغير حق لا يقبلهما، والفقر والذل مما يرغب عنه الإنسان ولكن إذا أصابا ذا المروءة بغير حق لا يتركهما.

تحمل المسؤولية في العمل

لو ترك الرجل الكامل الخلق المروءة فكيف يصح أن يوصف بكمال الخلق؟ إن الرجل الكامل الخلق لا يخالف الرجولة هُنَيْهةَ، فإنه يلازمها وهو في أمان ويلازمها وهو في الخطر.

الذي يتولى منصبًا فإنّ هذا ليس ترفًا له، وإنما هي أمانة تولاها وطريق بدأه، وسبيلًا يسعى من خلاله لتهذيب نفسه ورعيته والوصول بهم إلى بر الأمان وطريق الصلاح والإصلاح،

ففي الثقافة الصينية: “مَن يقدر على وظيفة معين بالآداب والمسامحة فماذا يصيبه من المشاق؟ من لم يقدر عليها بالآداب والمسامحة فماذا تفيده؟”.

إنّ الذي يقدر على تحمل المسؤولية بالآداب وترسيخ الأخلاق والتثقيف والوعي، والحث على العِلم والفهم والثقافة والتنوير والعدل والرحمة، والأخذ بيد المسؤول عنهم إلى برّ الأمان، فلن يصيبه الإفلاس أو المشاق والمتاعب والشكوى، لأنه يقدم قدوة لهم بالحكمة والآداب والصفات الكريمة والرشاد.

اقرأ أيضاً: نادي لاعقي الأحذية

تعرف على: الواجب الأخلاقي ودلالاته عند إيمانويل كانط وانعكاساته على الواقع المعيش

اقرأ أيضاً: كيف نغيّر عاداتنا؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا