مقالات

الإعلام حصان طروادة الجديد 2

حرية الإعلام

من الشعارات الجذابة التي يتمسك بها الإعلام هي حريته وعدم انحيازه فكلمة (الإعلام الحر) شعار يتزين به أغلب وسائل الإعلام إن لم يكن الجميع؛ فهل حقا تتجسد هذه الحرية والموضوعية في التناول الإعلامي اليوم لمختلف القضايا التي يتناولها ويعرضها من حرية الرأي وحقوق الإنسان واحترام الآخر التي يعرضها باستمرار للرأي العام؟!

لا شك أن بإمكان وسائل الإعلام المختلفة خلق حالة من الوعي الجماهيري لمختلف القضايا، كما تمتلك حلقة الوصل بين الشعوب والمسؤولين، فهي من جهة صوت الناس لدى المسؤولين، ومن جهة أخرى يمكنها توجيه المسؤولين للمهام التي يجب العمل عليها، ذلك من خلال رصدها للسلبيات الموجودة داخل المجتمع نتيجة تخصصها وعملها الإعلامي، كما يمكنها في نفس الوقت التزام الحياد الإيجابي والذي يقصد به التوجيه للمصلحة العامة للمجتمع وتجنب الانحياز لمكون دون آخر .

ما بين الحرية الحقيقية والحرية المزيفة

كل تلك المفاهيم يمكن للإعلام ممارستها كما يدعي أنه يمارسها بالفعل، لكن الواقع يثبت عكس تلك الادعاءات، فالحرية الحقيقية التي يجب أن يمارسها الإعلام الحر، هي حرية تكامل المجتمع في الجوانب الثقافية والأخلاقية والسلوكية، حرية تكون من مقدمات بناء الحضارة، فوسائل الإعلام التي تؤدي دورها في نقل الصورة الحقيقية للواقع وحث الناس والمسؤولين على حد سواء لإصلاح مواطن الخلل هي وسائل إعلام حرة ونزيهة.

أما حرية تلفيق الحقائق والتحزب وتمرير قيم وسلوكيات تخالف قيم المجتمع، هي ليست حرية بل توجيه مباشر وغزو ثقافي متعمد يهدف لخلق حالة من التشكيك واليأس داخل المجتمعات لتكون مقدمة لقبول أفكار شاذة عنه لا تتفق مع قيم المجتمع وهُويته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لاشك أن الإعلام الغربي ومؤسساته العابرة للقارات هو المتحكم في طبيعة الشكل العام للإعلام في مختلف دول العالم، والتي اتخذت من شعار( حرية الإعلام ) منطلق للجرأة على خصوصيات ومقدسات باقي حضارات العالم المختلفة، واتهامها بالتخلف والرجعية لا لشيء غير مخالفتها للقيم والسلوكيات الغربية، فما نشهده اليوم من ترويج لثقافات مثل المثلية وتقبل الصهيونية المحتلة للأرض مرورا بأفكار استهلاكية ونفعية، هو خير دليل على سوء استخدام تلك الحرية بل أكثر من ذلك؛ فهي نوع من أنواع الجبر على تقبل تلك السلوكيات الغريبة وفرضها على أغلب الثقافات والمجتمعات.

الانحياز للباطل وازدواجية المعايير

وعلى النقيض الذي يظهر زيف هذا الادعاء بممارسة حرية الرأي والتعبير، فعلى سبيل المثال نجد هجمة شرسة جدا على كل من يرفض ويشكك في أسطورة ( محرقة اليهود) أو يشكك ويُبدي الاستغراب في مثالية وديمقراطية المجتمعات الغربية، فبمجرد إظهار هذا الرأي المخالف للتوجهات الغربية نجد حملة شعواء من الاتهامات بالرجعية والتخلف وقد تصل لتهمة دعم الإرهاب !

وبخصوص فكرة عدم الانحياز؛ يظهر أيضا لنا الواقع بطلان هذه الفكرة التي لا تبدو منطقية في الأساس، فأي وسيلة إعلامية هي قائمة على هدف ورؤية معينة تنحاز لها وتدافع عنها بل وتروج لها أيضا.

وفي حقيقة الأمر؛ إن هذا الانحياز ليس عيبًا في ذاته؛ فكل منا سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات لابد أن يكون له رؤية ينحاز لها ويدافع عنها، المشكلة الحقيقة عندما يكون هذا الانحياز على حساب القضايا الحقة، عندما يكون هذا الانحياز ضد الضعفاء، عندما يكون ناصرًا للمستعمرين والمفسدين.

هنا يكون الانحياز من القيم الباطلة، حيث أن الانحياز للحق والعدل ونصرة المظلوم من أرقى القيم الإنسانية التي يمكن أن تحملها وسيلة إعلامية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن اختلاف تشخيص مفاهيم الحرية والممارسات الإعلامية مزدوجة المعايير؛ هو السبب الرئيسي في تغلغل وسائل الإعلام المغرضة داخل المجتمعات وقدرتها على تمرير مخططاتها الهادفة لتغيير قيم المجتمعات والترويج للقيم الغربية المادية الاستهلاكية مما يجعل من تلك المجتمعات فريسة سهلة للسيطرة عليها .

اقرأ أيضا:

الجزء الأول من المقال

التضليل والتلاعب بالمصطلحات

تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة